مرض زربة بالحمى، فأخذه صديقه أحمد إلى عيادة قريبة، وجدوه مصابا بحمى الضنك ثم أسعفه إلى مدينة الحديدة. داهمته غيبوبة الحمى فشعر زربة بدنو أجله، حينها فكر بأطفاله والعودة إلى القرية، بعد أن غاب عنهم ستة أشهر. عاد أحمد المداح إلى مدينة حرض، وهو يحمل معه ورقة طلاق حفصة، فبكت على مصابها، ودخلت في حداد على حظها العاثر، فهي لم تعش من حياتها سوى عشرة أشهر التي قضتها مع زربة.
3
شفي زربة من مرضه وسافر إلى القرية، لكن وجع ضروسه ازداد ألما. ذات يوم ذهب يصلي صلاة الظهر في مسجد القرية، ثم عاد إلى جوار بيته وجلس على سطح خزان مياه، الذي بناه من ربح تهريب القات، وملأه من مشروع المياه، للمستثمر سلام الحكيمي الذي عمل جاهدا لإنجاح مشروعه لتزويد القرى المجاورة بالماء بسعر زهيد. وقف ضده أصحاب مزارع القات، وبسببه كان سيحدث قتال حول البئر، كما حدث في منطقة صبر حين راح خمس عشرة ضحية؛ بسبب التنازع حول بئر بين السكان الذين يريدونها مياها للشرب وأصحاب مزارع القات، بعد أن جفت آبار كثيرة بسبب حفر الآبار العشوائية في البلاد من أجل ري القات. نظر زربة إلى الأشجار التي تكسو الجبال والتي لم يعد يحتطبها أحد، بعد أن حلت أسطوانات الغاز بدلا عن الأحطاب، كما سبق وأن استبدل الفلاحون الذرة والدخن بالقمح المستورد، وشجرة البن والبساتين بشجرة القات. جاء الوطواط وكان زربة ينظر إلى وادي الأثاور الذي أبدل جنته الخضراء بالقات. سأله الوطواط: مو تشوف
19
وا زربة؟ - وادي الأثاور. - خلاص انتهى الوادي. ما عاد به لا موز، ولا نخل ولا برتقال ولا كرث ... كله راح يا زربة، غرسوا بداله قات جعشني، حتى الماء ماعد فيش في الوادي يشترونه من بئر بعيد في سبت الصبيحة. تذكر يا زربة لما كنا نسبح في غيل الوادي، حتى أرض قريتنا نصفها صارت خراب، أرض عمك قاسم، وغالب الهندي وإخوته، وعبد القوي، وعثمان سالم، وعبده غالب ... وباع الكثير أرضهم. أرضنا انتهت يا زربة، والأراضي حول الوديان زرعوها قات وحفروا آبار، ما عاد بقي ماء نشرب عاد نحن شنهجر القرية مثل قرية ذارع. - يا وطواط، أنت ما عاد تحبش القات، قدك
20
أدرد هههههه ما عاد تأكل إلا العصيد. ليش ما قلتش هذا لما كان معك ضروس. - وأنت ضروسك استوت مع اللثة. قريب شتكون مثلي.
حضر زربة وفاة عبد الرقيب؛ نتيجة لسقوطه من سطح بيته بعد ضعف بصره. تلقت أسرته العزاء فوق قبره وتم قراءة القرآن له في المسجد. قال الوطواط: ابن عبد الرقيب مطوع، لا ذبح ولا عمل مولد لوالده. من لما هدموا ضريح الولي عبد الله قبل عشرة سنين، ما عاد يعملوا موالد ولا عزاء مثل زمان.
ذهب زربة إلى سوق قرية نجاد، قابل في الطريق ثلاث فتيات محجبات من قريته يرتدين البالطو الأسود، لم يعرفهن وهن عائدات من السوق، يحملن أسطوانات الغاز على رءوسهن. شاهد المهندس خالد سالم الحطاب يبحث عن القات الجيد فلم يجد رغبته، فقرر الذهاب إلى وادي الأثاور بسيارته؛ لشراء القات واصطحب زربة معه عبر الطريق التي شقت وسط قرية القرن تبعد ثلاثين كيلو متر عبر طريق وعر. شاهد مساجد خلال الطريق في قرى عدة. وصل الوادي فأخذه الحزن حين لم ير الفاكهة، والخضراوات، والنخيل ... لكن حزنه انقلب فرحا حين شاهد شجيرات القات، فاشترى خمس حزم قات وهو يقول: قات بلدي لي ولولدي. شاهد فوق السوق مدرسة صغيرة تقع على التل، وكان هناك عدد من الفتيات الصغيرات المحجبات والطلاب يخرجون منها. قيل له إنها مدرسة تحفيظ القرآن. استغرب من هذا التحول، فهو يعرف أن هذه المنطقة اختارت المرشح الاشتراكي عضوا لمجلس النواب.
4
Halaman tidak diketahui