ونهض المعلم قائما - وقد ضاق صدره بالسيد ووعظه - وهو يقول: إن الإنسان ليقارف أفعالا كثيرة شائنة، وهذا واحد منها، فادع لي بالهداية، ولا تغضب علي، وتقبل عذري وأسفي، ماذا يملك الإنسان من أمر نفسه؟
فابتسم السيد ابتسامة حزينة، وقال وهو ينهض قائما كذلك: يملك كل شيء لو أراد؛ ولكنك لن تفقه معنى لقولي، فالأمر لله.
ومد له يده قائلا: مع السلامة.
وغادر المعلم كرشة البيت مقطبا مدمدما، يسب الناس والزقاق والسيد رضوان.
12
وانتظرت أم حسين متصبرة متجلدة يوما ويومين. كانت تقف وراء خصاص النافذة المطلة على القهوة تترقب مقدم الشاب، فتراه قادما يخطر، ثم تراه مرة أخرى - عند انتصاف الليل - وزوجها منصرفين صوب الغورية! ابيضت عيناها من المقت والغضب، وتساءلت: يا ترى هل ذهبت نصيحة السيد رضوان هباء؟ وزارت السيد مرة أخرى، فهز رأسه آسفا، وقال لها: «دعيه لحاله حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.» فرجعت إلى شقتها تغلي غليانا، وتتوعد شرا. لم تعد تقيم وزنا لشماتة الشامتين، وانتظرت بالنافذة حتى أتى الليل وقدم الشاب، فتلفعت بملاءتها وغادرت الشقة كالمجنونة، ونزلت السلالم وثبا؛ فكانت أمام القهوة في دقيقة واحدة. كانت الدكاكين قد أغلقت وأوى أهل الزقاق إلى القهوة كعادتهم كل ليلة، وكان المعلم كرشة مكبا على صندوق الماركات في شبه نعاس، فلم ينتبه لحضورها، واستقر بصرها الزائغ على الشاب وهو يرشف الشاي من قدح في يده، فاقتربت منه مارة أمام المعلم الذي لم يرفع بصره إليها، وضربت القدح بكفها فاندلق على حجر الشاب الذي قام فزعا صارخا! وصاحت به بصوت كالرعد: تشرب شايا يابن العاهرة!
وأحدقت الأعين بالمرأة سواء من يعرفها من أهل الزقاق أو من لا يعرفها من بقية الجلوس. والتفت نحوها المعلم كرشة كأنه يستيقظ بصب دلو ماء على وجهه، وهم بالوقوف، ولكن المرأة دفعته في صدره، وهي تصرخ في وجهه وقد أخرجها الغضب عن وعيها: إياك وأن تتحرك يا فاجر (والتفتت نحو الشاب واستدركت) ماذا أفزعك يا شاطر؟ يا مرة في ثياب رجل، هلا أخبرتني عما يدعوك إلى المجيء هنا؟!
ووقف المعلم كرشة وراء الصندوق وقد ألجم الغضب لسانه، واربد وجهه، ولكنها صاحت في وجهه: إن حدثتك نفسك بالدفاع عن رفيقك هشمت عظمك أمام الناس.
واندفعت نحو الشاب الذي تقهقر حتى التصق بالشيخ درويش وهي تصيح: أتريد أن تخرب بيتي يا رقيع يابن الرقعاء!
فقال لها الشاب مرتعدا: من أنت يا ستي، ماذا فعلت حتى ... - من أنا؟ ألا تعرفني؟! .. أنا ضرتك.
Halaman tidak diketahui