شباب شيوخ! أبواب مفاتيح! شيطان شياطين! لماذا لا يريح نفسه ويدع الناس يستريحون؟! وهز رأسه حيرة، ثم قال بصوت منخفض: لا أفهم شيئا يا سيد رضوان.
وحدجه السيد بنظرة ذات معنى، وسأله بلهجة لا تخلو من عتاب: حقا؟!
فغمغم المعلم وقد بدأ يستشعر البرم والخوف: حقا.
فقال السيد رضوان بحزم: حسبتك تعلم ما أعني، والحق أني أعني هذا الشاب الرقيع.
وسدت المنافذ في وجهه، فاحتدم الغيظ في نفسه، ولكنه كالفأر الواقع في المصيدة جعل يتخبط وراء المنافذ المسدودة، فتساءل بصوت ينم عن الهزيمة: أي شاب يا سي السيد؟
فقال السيد بلهجة وديعة متحاميا إثارته: أنت تعرفه يا معلم. وإني لم أفاتحك بأمره لأسيء إليك أو أخجلك - معاذ الله - ولكن لأرشدك لما فيه الخير. ما فائدة النكران؟ الجميع يعرفون، والجميع يتكلمون. وهذا لعمري ما آلمني أشد الألم، آلمني أن أجدك مضغة الأفواه.
فغلب المعلم الغضب، وضرب فخذه بقبضة قاسية، وقال بصوت أجش تطايرت فظاظته مع نثار ريقه: ما بال الناس لا يريحون ولا يستريحون؟! أحقا تراهم يتكلمون يا سي السيد؟ هكذا هم أبدا منذ خلق الله الأرض ومن عليها .. إنهم يخوضون في الأعراض لا لقبح يستقبحون، ولكن لينتقصوا إخوانهم، ولو لم يجدوا نقيصة لخلقوها خلقا، ثم خاضوا فيها، أتحسبهم يتهامسون تأففا وازدراء؟ كلا والله، إنه لحسد يأكل قلوبهم أكلا.
وهال السيد هذا الرأي، فقال له دهشا: يا له من رأي خاسر! أتحسب أن هذا الفعل الشائن مما تحسد عليه؟!
فتهافت ضاحكا وقال بحقد: لا تشك في قولي يا سيد رضوان! إنهم طغمة هالكة، وليس الخير من رجع في نفوسهم (وأدرك عند ذاك أنه سلم بالتهمة، وكاد يدافع عنها فاستدرك) ألا تدري من هذا الشاب؟ إنه شاب مسكين أداري بؤسه بالإحسان!
فضجر السيد من مراوغته، وحدجه بنظرة كأنما يقول له: «أيجوز هذا القول؟!» ثم قال: يا معلم كرشة، الغالب أنك لا تفهمني .. أنا لا أحاكمك ولا أعيرك، فكلانا فقير إلى رحمة الله وعفوه، ولكن لا تحاول النكران. إذا كان هذا الشاب مسكينا فدعه لخالقه، والدنيا ملأى بالمحتاجين إن أحببت إحسانا؟ - ولماذا لا يكون إحساني لهذا الشاب؟ يؤسفني أنك لا تصدقني وأنا رجل بريء.
Halaman tidak diketahui