قال لي الأونباشي جوليان مرة: إني لا أفترق عن الإنجليز إلا في اللون! وكثيرا ما نصحني بالاقتصاد، ولكن الساعد (وهناك حرك ساعده في زهو) الذي يربح النقود في أثناء الحرب خليق بأن يربح أضعافها في زمان السلم. ومتى تظن الحرب تنتهي؟! لا يغرنك هزيمة الطليان، فأولئك لا حساب لهم في الحرب، ولسوف يحارب هتلر عشرين عاما، والأونباشي جوليان من المعجبين بشجاعتي، ويثق في ثقة عمياء، وبفضل هذه الثقة يسرحني في تجارته الواسعة من تبغ وسجائر وشوك وسكاكين وملاءات أسرة وجوارب وأحذية .. دنيا!
فتمتم عباس الحلو متفكرا: دنيا!
فألقى حسين على صورته في المرآة نظرة متفحصة وقال: أتدري أين أذهب الآن؟ .. إلى حديقة الحيوان. أوتدري مع من؟ .. مع بنت كالقشدة والشهد (وقبل الهواء قبلة ذات وسوسة) وسأنطلق بها هناك إلى أقفاص القرود.
وقهقه عاليا، ثم استدرك: أراهن على أنك تتساءل: لماذا القرود؟ وهذا طبيعي من إنسان مثلك لم ير إلا قرد القرداتي. فاعلم يا حمار أن القرود في حديقة الحيوان تعيش جماعات في أقفاص، وهي كبيرة الشبه بالإنسان في صورته وسوء أدبه، تراها تتغازل وتتحاب في علانية مكشوفة، فإذا سقت الفتاة إلى هنالك تفتحت لي الأبواب!
فتمتم الحلو وهو يكب على عمله: دنيا! - النساء علم واسع لا تحذقه بمجرد شعرك المرجل.
فضحك الحلو ونظر إلى شعره في المرآة، وقال بصوت منكسر: أنا رجل مسكين!
فحدج صورته في المرآة بنظرة حادة وتساءل متهكما: وحميدة؟!
فخفق قلب الحلو بعنف لأنه لم يكن يتوقع سماع هذا الاسم المحبوب، وتمثلت لعينيه صورتها، فتورد وجهه، وغمغم وهو لا يدري: حميدة! - أجل حميدة، بنت أم حميدة!
ولاذ الحلاق بالصمت وقد لاح في وجهه الارتباك، وراح الآخر يقول بحدة: يا لك من رجل خامل معدوم الحياة، عيناك نائمتان، دكانك نائم، حياتك نوم وخمول. أعياني إيقاظك يا ميت. أتحسب أن هذه الحياة خليقة بتحقيق آمالك؟! هيهات، ولن ترزقك مهما سعيت بأكثر من لقمتك.
فلاح التفكير في العينين الهادئتين وقال متكدرا بعض الكدر: الخيرة فيما اختاره الله.
Halaman tidak diketahui