فقال الرجل بصوت يدل على الطاعة: هذه حصة تسميع.
ورفع المؤشر بخفة ولمس بسنانه شعر العارية، فنطقت المرأة بلفظ غريب «هير»، فأنزله إلى جبينها فهتفت «فرنت»، وانتقل إلى الحاجب فالعين ثم الفم، وشرق وغرب، وصعد وصوب، وهي تجيب على أسئلته الصامتة بكلمات غريبة، لم تسمعها حميدة من قبل، وازدادت الفتاة دهشة وانزعاجا، وتساءلت: كيف تبدو هذه المرأة عارية حيال هذا الجمع؟ وكيف ينظر فرج إلى هذا الجسم المتجرد بهذه البساطة؟! .. وغلى دمها، والتهب خداها، وألقت عليه نظرة سريعة فرأته يهز رأسه راضيا عن التلميذة الذكية، ويتمتم «برافو .. برافو.» ثم خاطب الرجل قائلا: أرني شيئا من الغزل.
فنحى الرجل المؤشر جانبا، وأقبل على المرأة مخاطبا في لهجة إنجليزية، وعاطته المرأة قولا بقول، فتراطنا دقائق بلا تلعثم أو تردد، حتى صاح فرج إبراهيم: عظيم .. عظيم .. والأخريات؟
وأشار إلى الفتيات الجالسات، فقال الأستاذ: في طريق التحسن! .. وإني أقول لهن دائما: إن الكلام لا يحصل بالحفظ، ولكنه يكتسب بالتجربة، فالحانات والبنسيونات هي دور العلم الحقيقية، وما هذا الدرس إلا تثبيت للمعلومات المهوشة.
فقال فرج وهو ينظر إلى فتاته: صدقت .. صدقت.
وحياه بإيماءة من رأسه، وتأبط ذراع حميدة وانفصلا عن المكان معا، وقطعا الردهة الطويلة مرة أخرى صوب حجرتهما. كان وجهها جامدا، وفمها مطبقا، وعيناها تنمان عن الشرود والحيرة، وكانت تتلمس سببا للانفجار، لا لهدف ترمي إليه، ولكن للترويح عن صدرها الهائج المضطرب. ولازم الرجل الصمت حتى حواهما المخدع، ثم قال بلطف: يسرني أن أطلعتك على مدرستي، وأنك فتشت فصولها بنفسك. ربما تراءت لك ذات برنامج عسير شاق؛ ولكنك رأيت بعينيك تلميذاتها البارعات، وجميعهن بغير استثناء دونك ذكاء وجمالا.
فرمقته بنظرة عناد وتحد وسألته ببرودة: أتريدني على أن أفعل مثلهن؟
فابتسم في رقة، وقال بمكر ودهاء: لا سلطان لأحد عليك ولا راد لقضائك، وأنت وحدك صاحبة الأمر والنهي. ولكن واجبي أن أوضح لك المعالم، والخيرة لك. والحق أنه لمن حسن الحظ أني وجدت رفيقا لبيبا تكفيه الإشارة، قد حباه الله جمالا وهمة وبهاء. فإذا سعيت إلى استثارة حماسك اليوم، فعسى أن تسعي أنت غدا إلى استثارتي. إني أعرفك حق المعرفة، وأقرأ قلبك كصفحة مبسوطة، وها أنا ذا أقول لك عن عقيدة ويقين: إنك ستقبلين على تعلم الرقص والإنجليزية، وإتقان كل شيء في أقصر فترة من الزمن. ولقد اتبعت معك سبيل الصراحة من بادئ الأمر وتجنبت الكذب والخداع؛ لأني أحببتك حبا صادقا، ولأني أيقنت من أول لحظة بأنك لا تغلبين ولا تخدعين، فافعلي ما تشائين يا محبوبتي. جربي الرقص أو انبذيه، استهتري أو عفي، ابقي أو عودي، فلا قبل لي بك على جميع الأحوال.
ولم يذهب خطابه سدى، فقد سرى عنها، وخف توتر أعصابها، واقترب منها، وأخذ راحتها بين يديه، وضغط عليها بحنو وهو يقول: أنت أسعد حظ جادت به الحياة علي .. ما أفتنك! .. ما أجملك!
وحدق في عينيها بإمعان وافتتان، ورفع يديها - وهما مضمومتان - إلى فمه، وراح يقبل أطراف أناملها زوجا زوجا، وهي مستسلمة ليديه تجد لكل لثمة من شفته تكهربا في أعصابها، حتى تندت عيناها برقة وهيام، وند عنها نفس حار في شبه تنهدة، فأحاطها بذراعيه، وضمها إلى صدره رويدا حتى شعر بمس ثديها لقلبه؛ ثدي بكر ناهد يكاد لصلابته ينغرس في صدره، وراح يمسح على ظهرها براحتيه صعودا وهبوطا، ووجهها مدفون في صدره، ثم همس: «فمك» فرفعت رأسها ببطء وقد انفرجت شفتاها قليلا، فطبع شفتيه على شفتيها في قبلة طويلة جدا، فأطبقت جفنيها كأنما أخذتها سنة من نعاس. وحملها بيسر فصارت بين ذراعيه كطفل رضيع، وسار بها متمهلا نحو الفراش، وقد هز ساقيها المعلقتين هزة أطاحت بالشبشب، ثم أنامها، ولبث مائلا عليها معتمدا على راحته، منعما النظر في وجهها المورد .. وفتحت عينيها فالتقتا بعينيه، فابتسم إليها ابتسامة رقيقة، ولكنها ظلت ترنو إليه بنظرة ساجية. وكان في الحق متمالكا لأعصابه رغم تظاهره بعكس ذلك، وكان فكره أنشط من قلبه، وكان قد أجمع رأيه على خطة لا يحيد عنها، فاستوى واقفا وهو يغالب ابتسامة ماكرة، وقال بلهجة من ينزع نفسه عن هواها: مهلا .. مهلا .. إن الضابط الأمريكي يدفع خمسين جنيها عن طيب خاطر ثمنا لعذراء!
Halaman tidak diketahui