قلت: «وهناك خيالان لا يبكيان ولا يضحكان؛ رجل وامرأة يسيران جنبا إلى جنب بخطوات هادئة بطيئة منحنيي الجبهة، وفي عيونهما تتتالى دوائر الأفكار. أتدري من هما؟»
فرنا إليهما الشبح وقال: «هما الأرض المخصبة. هما الشعلة المقدسة. هما اللذان فهما واستفادا.»
فقلت مكتئبة: «أسفا على الخطاب البليغ تسمعه الجماهير الغفيرة فلا يستفيد به سوى اثنين!»
فتألق وجه الشبح بنور سماوي وقال: «بل ما أنفعه خطابا هو في هذين الروحين غلة للدهور، وفي هذين الفكرين مجدد للقديم، وفي هذه الأيدي مشعل يتطاير منه الشرر، فتتقد به شموس الأفلاك، وشموس الأذهان. بورك به خطابا، بورك به!»
وغادرني الشبح وسار إلى ذينك الخيالين فنشر من كتفيه جناحين خفيين وحلق فوق رأسيهما يقودهما ويرعاهما.
السهرات الراقصات
دنا موسم السهرات الراقصات فيممها أهل المدينة أفواجا، وسرت في جملة السائرين بثوبي القرمزي المردن، والقلب يحدوني بشدو الشباب والطرب، وما خطوت في القاعة الساطعة خطوة حتى ترنحت لتوقيع العازفات والعازفين، واستحثني تمايل الراقصات والراقصين، فأغفلت ذكر اللواعج والتباريح، ونسيت أنه بينا في رحبات الجذل يتمتع السعداء ويلهون إذا في كهوف القدر تتفطر حشاشات وتدمع عيون.
رقصت مع كل راقص ذي كياسة، واحتسيت الكوثر من كئوس عسجدية، وبسمت شفتاي لكل شفة باسمة، ولمعت عيناي لكل عين لامعة. ولما طاف طائف الكرى بين أجفاني عدت مستوفية السرور إلى مضجعي، ونمت نومة طويلة عميقة.
واستيقظت في الغد فأذهلني أن أشعر بترضرض في روحي، وبطعم الفناء في فمي، وبأثقال تميع على صفحة وجداني كأنها أحمال الدماء.
وفي السهرة الثانية حياني أظرف رجل بين الرجال وقال: «هل لك في دورة تتوافق وأنين الأوتار؟»
Halaman tidak diketahui