وانتقلت العروس من مصر إلى بغداد، والشقة بينهما بعيدة، فأمر خمارويه فبنى على رأس كل مرحلة من مصر إلى بغداد قصرا تنزل فيه قطر الندى، وكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فإذا أتمت مرحلة وجدت قصرا قد فرش، وأعد بكل أنواع المعدات، فكأنها في هذه الرحلة الطويلة في قصر أبيها حتى قدمت بغداد في أول المحرم سنة 282ه.
23
وثروة آل الجصاص في العهد الطولوني كانت تقدر بملايين الدنانير، ويحكي أحدهم وهو الحسين بن عبد الله الجصاص - وكان من أعيان التجار في الجواهر - سبب ثروته فيقول: «كان بدء يساري أني كنت في دهليز أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وكنت وكيله في ابتياع الجوهر وغيره مما يحتاجون إليه، وما كنت أفارق الدهليز لاختصاصي به، فخرجت إلي قهرمانة لهم في بعض الأيام ومعها عقد جوهر فيه مائة حبة لم أر قبله ولا بعده أفخر ولا أحسن منه، كل حبة تساوي مائة ألف دينار عندي؛ قالت: نحتاج أن تخرط هذه حتى تصغر فنجعلها في آذان اللعب وفي قلائدها، فكدت أطير، وأخذتها وقد قلت: السمع والطاعة، وخرجت في الحال وجمعت التجار، واشتريت مائة حبة من النوع الذي طلبته ... وقامت علي المائة حبة بدون المائة ألف درهم، وأخذت منهم جوهرا بمائتي ألف دينار.»
24
وفي العهد الفاطمي كان الترف أنعم وأضخم وأفخم، تقرأ في «خطط المقريزي» وصف خزائن الفاطميين وحياتهم في القصور، وتفننهم في أدوات الترف والنعيم فيأخذك العجب العجاب، فيقول: «إنه كان للخليفة خزانتان: ظاهرة؛ وفيها الملابس التي ينعم بها على الناس، وباطنة؛ وهي الخاصة بلباس الخليفة، ويتولاها امرأة تنعت بزين الخزان، وبين يديها ثلاثون جارية، فلا يغير الخليفة أبدا ثيابه إلا عندها ... وكان برسم هذه الخزانة بستان من أملاك الخليفة على شاطئ الخليج يعنى أبدا فيه بالنسرين والياسمين، فيحمل في يوم منه شيء في الصيف والشتاء لا ينقطع أبدا برسم الثياب والصناديق.
ولما كشف حاصل الخزائن الخاصة للعاضد بالقصر كان الموجود فيها مائة صندوق كسوة فاخرة من موشى ومرصع، وعقود ثمينة وجواهر نفيسة، وغير ذلك من ذخائر عظيمة الخطر.»
25
وفي أيام شدة المستنصر أخرج من بعض خزائن القصر صندوق كيل منه سبعة أمداد زمرد؛ فسأل بعض من حضر من الوزراء الجوهريين: كم قيمة هذا الزمرد؟ فقالوا: إنما نعرف قيمة الشيء إذا كان مثله موجودا، ومثل هذا لا قيمة له! ... وأخرج عقد جوهر قيمته على الأقل من ثمانية آلاف دينار فصاعدا، وأخرج ألف ومائتا خاتم ذهبا وفضة من سائر أنواع الجواهر المختلف الألوان والقيم والأثمان ... وأحضرت خريطة فيها نحو ويبة جواهر، وأحضر الخبراء من الجوهريين فذكروا أن لا قيمة لها ولا يشتري مثلها إلا الملوك، فقومت بعشرين ألف دينار، وأخرج طاووس ذهب مرصع بنفيس الجواهر، عيناه من ياقوت أحمر، وريشه من الزجاج المينا المجري بالذهب، على ألوان ريش الطاووس، وديك من الذهب له عرف مفروق كأكبر ما يكون من أعراف الديوك من الياقوت الأحمر، مرصع بسائر الدرر والجوهر، وعيناه ياقوت، وغزال مرصع بنفيس الدر والجوهر، وبطنه أبيض قد نظم من در رائع ... إلخ إلخ.
26
ونحو هذا ذكر المقريزي في خزائن العرش والأمتعة، وخزائن السلاح والسروج والخيم والشراب والتوابل والبنود.
Halaman tidak diketahui