والتفت وكيل النيابة إلى الكاتب، وقال له: افتح المحضر. وبدأ يقول للشاب: أنت متهم بأنك تفوهت بكلمات تمس الذات الملكية، فهل هذا صحيح؟
وقال الشاب: نعم! هذا صحيح!
وقال وكيل النيابة: أنت طبعا لا تقصد جلالة الملك مولانا الذي نكن له جميعا صادق الولاء؟
فقال الشاب: أنا لا أقصد سوى هذا الملك الفاسق العربيد!
وأسقط في يد وكيل النيابة، وأسرع فقابل النائب العام وعرض عليه المشكلة، واتصل النائب العام بالقصر وأبلغ المسئولين بما حدث وسألهم: ماذا نصنع إزاء هذا الموقف الغريب؟ فطلبوا منه أن يسوق الشاب وأمثاله إلى مستشفى المجاذيب!
وضحك لطفي السيد وقال: وهكذا أصبح كل من يقول كلمة عن الملك معرضا لدخول مستشفى المجاذيب!
ولطفي السيد الكاتب المفكر المؤمن بالحريات ذو العقلية الفلسفية، كان يؤيد دعوة قاسم أمين إلى مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، وكان أحد ثلاثة بذلوا جهودا شاقة لإنشاء جامعة أهلية مصرية، أما زميلاه في هذا العمل العظيم، فهما سعد زغلول وقاسم أمين، وعندما أصبحت الجامعة الأهلية جامعة رسمية، كان هو أول مدير لها، وقد أرسى فيها قواعد البحث العلمي الأكاديمي، وحمى استقلالها، واستقال احتجاجا على إقالة الدكتور طه حسين من عمادة كلية الآداب.
والحق أن لطفي السيد باتجاهاته المتنوعة واتساع آفاق تفكيره، وإيمانه المطلق بحرية الرأي والعقيدة، كان جامعة قبل إنشاء الجامعة، وقد تخرج في الجامعة أساتذة كبار تأثروا به، وأخذوا عنه تقاليده في التلقين والمحاضرة والجدل، وكان على رغم ثقافته الفلسفية والقانونية، مشغوفا بالآداب العالمية وله ذوق رفيع في الشعر العربي، وقد أبدى لي إعجابه بشعر ديوان الحماسة والمتنبي والمعري والشريف الرضي، وكان يترنم بكثير من أشعارهم.
عندما سمعت أن لطفي السيد لفظ أنفاسه الأخيرة، خيل إلي أن هرما عاليا من الفكر والثقافة قد توارى في التراب، وأحسست أني أبكي، لم تبك عيناي، ولكن عقلي أجهش بالبكاء!
يحرق مذكراته
Halaman tidak diketahui