إن قاسم أمين المصلح المفكر، ينتهز كل فرصة ليقيم مفهوما جديدا صحيحا للمعاني والتصرفات، فتبرع الناس لإنشاء جامعة ليس تضحية منهم، ولكنه واجب يؤدونه لوطنهم، والوطنية شعور غريزي لا تصح المباهاة به أو الإعلان عنه!
وتأمل قاسم أمين في اللغة التي نعبر بها، فوجد أننا نؤلف الحروف والألفاظ، ولا نؤلف جملة! أما إذا استخدمنا تعبيرا تعلمناه عن الأقدمين فيجيء أصم غامضا، باهتا أو فارغا، يحدث رنينا ليس له معنى!
فكان يبحث دائما عن الجملة المعبرة التي نسمع لها فرقعة، وكان يحس الحسرة كلما وجد أننا لا نستطيع أن نقرأ لغتنا قراءة صحيحة؛ فنادى بتيسير قواعد اللغة، وغالى في ذلك، حتى إنه دعا إلى تسكين أواخر الكلمات.
ويقول: «لم أر بين جميع من عرفتهم شخصيا، من يقرأ كل ما يقع تحت نظره في غير لحن، أليس هذا برهانا كافيا على وجوب إصلاح اللغة العربية؟ لي رأي في الإعراب أذكره هنا بوجه الإجمال، هو أن تبقى أواخر الكلمات ساكنة لا تتحرك بأي عامل من العوامل، بهذه الطريقة - وهي طريقة جمع اللغات الإفرنكية واللغة التركية أيضا - يمكن حذف قواعد النصب والجوازم والحال والاشتغال، بدون أن يترتب على ذلك إخلال باللغة؛ إذ تبقى مفرداتها كما هي.»
ويقول أيضا: «إن اللغة العربية مرت عليها القرون الطويلة وهي واقفة في مكانها لا تتقدم خطوة إلى الأمام، في حين أخذت اللغات الأوروبية تتحول وترتقي كلما تقدم أهلها في الأدب والعلوم، حتى أصبحت النموذج المطلوب في السهولة والإيضاح والدقة، والحركة والرشاقة، وصارت أنفس جوهرة في تاج التمدن الحديث.» •••
ولقد أحب قاسم أمين المرأة، ورأى فيها جوهر الحب والحنان، وكان يقول: «إذا كان المال زينة الحياة، فالحب هو الحياة بعينها.» ويقول: «كل عشق شريف، فإذا كان بين شريفين زاد في قيمتهما ورفع من قدرهما، وإن كان بين وضيعين ألبسهما شرفا وقتيا.»
وليس حبه المرأة هو الذي دفعه إلى العمل على تحريرها ورد حقوقها إليها، ولكن دعاه إلى ذلك عمق تفكيره في الحرية، واتساع نظرته إلى الإنسانية، وهو فيما دعا إليه قد تأثر ولا شك بتعاليم الثورة الفرنسية، وثورة جمال الدين الأفغاني وشخصية محمد عبده، وكان يمكن أن تموت صيحات قاسم أمين على فمه، لو لم يكن مقتنعا بها عن وعي وإيمان، ولكن صيحات قاسم أمين أصبحت سلوكا اجتماعيا ومناهج معترفا بها.
فقد صار لنا تعليم جامعي، وتطورت لغتنا، واكتسبت الرشاقة والحركة، بدون أن تلجأ إلى ما دعا إليه من تسكين أواخر الكلمات، وقام من بعده زميل له هو عبد العزيز فهمي باشا يدعو إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، وكانت دعوة عبد العزيز فهمي متأخرة أربعين عاما!
واتجاه قاسم أمين إلى إلغاء عقوبة الإعدام، أصبح اتجاه كثيرين، أو موضع مناقشة الكثيرين من المشتغلين بالفقه والقانون!
وتحرير المرأة من رق الحجاب والجهل، والانعزال عن المجتمع، لم يعد فكرة، بل هو أمر واقع، تجاوز ما أشار إليه قاسم أمين بمسافات كبيرة. •••
Halaman tidak diketahui