Pemimpin Reformasi di Zaman Moden
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Genre-genre
لم يكن في مصر إلى أواخر عهد الخديوي إسماعيل رأي عام يشعر بظلم، وإن شعر فلا ينطق، لأن عنف الاستبداد أزمانا طويلة أمات الشعور وأخرس الألسن حتى تدخلت الدول الأجنبية في شئون مصر المالية، فبدأ الشعور يتنبه، وغذاه الخديوي إسماعيل نفسه وجرأه، لإحساسه بثقل التدخل وخشيته من عاقبته، فأول معارضة من مجلس شورى النواب للحكومة كانت بإيعاز منه، ولولا ذلك لم يجرؤ ومظاهرة الضباط ومهاجمتهم لنظارة المالية لتأخير رواتبهم كانت بتدبيره ليتخلص من وزارة نوبار التي تمالئ
13
الأجانب في هذا التدخل، واجتماع أعيان البلاد في دار السيد البكري، ووضعهم للائحة الوطنية - التي تعهدوا فيها بوفاء ديون أوربا وضمانها وعدم تدخل ممثليها في شئون البلاد - كانت فكرة بناها الخديوي في أذهانهم، وكان هذا أول ما شعر الناس بقوتهم وحاجة الحاكم إليهم، ونبه الرأي العام إلى أنه يستطيع أن يقف الظلم ويطالب بالحقوق. وأن من حقه مراقبة الولاة والحكام ورفع صوته بنقدهم، وهذا الشعور إذا وجد في أمة كان لا بد له من قادة يشعرون شعور الناس، ويصوغونه صياغة قوية يلهبون بها شعور من شعر، وينبهرون بها من لم يشعر، لكان ذلك في السيد جمال الدين ومدرسته، وجاء الخديوي توفيق ونواة الرأي العام قد غرست، وتتابع الأحداث الخطيرة يعذبها وينميها والنفوس مستبشرة بتوليته، فقد كان سمحا رحيما، وكان قبل عزل إسماعيل يتصل بالسيد جمال الدين ويحبذ آراءه في الإصلاح، فلما تولى قربه إليه وقال له: أنت موضع أملي في مصر، ودعا شريف باشا لتشكيل الوزارة، «وصرح برغبته في تحقيق آمال الأمة، وإخراجها من الحالة السيئة التي هي فيها بالاقتصاد في نفقات الحكومة، والاستقامة في الوظائف العامة وإصلاح القضاء والإدارة، وتوسع نظام شورى القوانين وإصلاح المحاكم والمجالس، والسعي لتعميم التربية والتعليم، وتوسع دائرة الزراعة والتجارة، ومنح الحرية للعاملين في أعمالهم».
ففرح الناس وتهللوا لهذه الوعود القيمة وتفتحت آمالهم، ولكن الحكم الشورى لم يرض طوائف كثيرة - لم يرض الحاشية، وكان السيد جمال الدين أشار على الخديوي توفيق بتغيير حاشية إسماعيل، فأغضبهم عليه. قال الشيخ محمد عبده: «ووكيل دولة فرنسا أخذ يسعى في إقامة الموانع دون إعطاء حق النظر في تصحيح الميزانية، وتقرير الأمور المالية، ودعا وكيل إنجلترا إلى مساعدة في إقناع الخديوي بضرر هذه الأوضاع الجديدة» فتغير رأي الخديوي توفيق في ذلك كله؛ فاستقال شريف باشا ونفي السيد جمال الدين، وأخذت الأمور مجرى آخر كان سببا من أسباب الثورة.
ثم جاءت وزارة رياض باشات بعد وزارة شريف، وفي تاريخ مصر الحديثة كان شريف باشا دائما رمز الحكم الشورى، ورياض باشا رمز الحكم الاستبدادي، وكلاهما كان يلتف حوله كثير من الخاصة، فحول شريف جماعة ترى أن الحكم الشورى هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ البلاد من الفوضى، والأمل الوحيد في وقف كل سلطة عند حدها، والباعث الوحيد للأمن والحرية في نفوس الأفراد، وحول رياض جماعة ترى أن الحكم الشورى لا يصلح إلا إذا نضجت الأمة وعرفت شئونها ومجاري السياسة حق معرفتها، ورزقت من الشجاعة في القول والجد في العمل قدرا صالحا، وإلا كان الحكم الشورى نقمة، والأمة لم تبلغ هذا الحد؛ وكان الجدال والنزاع يدور على الفكرتين في الصحف والمجالس، على كل حال؛ فقد كان هذا درسا لتنوير الرأي العام في السياسة، وتفتيح الأذهان للنظر في المسائل العامة.
وكانت شخصية رياض شخصية معقدة - ذكي، خبير بالإدارة، قوي العزيمة صبور على العمل، معتز بنفسه، لا يرى بجانب رأيه رأيا، إذا وثق بشخص لم يسمع فيه قول قائل، وإذا أساء الظن بإنسان فإلى النهاية، نزيه، يحب الخير لمصر، ولكن حسبما يرى هو وبالطريقة التي يراها، قليل الثقة بالمصريين ممتلئ عقيدة بأنهم مملئون عيوبا، كبير التعظيم للأجانب، معتقد بقوتهم، يرى أنه لا يستطيع الحكم إلا بالاعتماد عليهم أو على أقواهم، لا يرى بأسا من إغضاب الخديوي وإغضاب الأمة في سبيل إرضائهم، ومع ذلك يبذل أقصى جهده في أن ينال منهم أقصى ما يستطيع لخير أمته - شديد الحب للحكم لا تعتزله إلا مكرها. فكانت أخلاقه هذه من عوامل التمهيد للثورة العرابية.
ألغى السخرة العامة كإقامة الجسور على النيل، وحفر الترع من غير أجر والسخرة الخاصة، كعمل الفلاحين في أرض سيدهم من غير مقابل، ونفذ ذلك في غير هوادة، فأغضب بذلك الأعيان، وأعطى السلطة العامة للمديرين، فأساءوا السيرة، وضيق على الصحف، وعطل بعضها، فعامل أصحابها سرا بعد أن كانوا يعملون جهدا، وسافر بعضهم إلى أوربا يصدر الجرائد في الطعن عليه، وعارض الخديوي في أن يمنح الرتب والنياشيين لمن يراهم أهلا، كما عارضه في كثير من رغباته فغضب الخديوي عليه، وعاقب «رياض» المدير الذي سخر الأهالي في حفر ترعة خاصة بالخديوي. وتصرف ناظر الحربية في وزارته تصرفات أغضبت رجال الجيش المصريين، فطلب عرابي وأصحابه تشكيل مجلس عسكري لتحقيق الشكايات، فمال رياض إلى إجابة مطلبهم، ولكن أشيع عنه أنه هو الذي يمانع في ذلك فغضبوا عليه - كل ذلك وهو لا يريد أن يتخلى عن الحكم.
تبلبلت الأفكار واضطربت، وكلها تتفق في وجوب تغيير الحال، وإن اختلفت أسباب غضب كل طائفة، فالأعيان يحبون رجوع سلطتهم في تسخير الناس، والضباط المصريون يريدون العدل بينهم وبين الشراكسة، وبعض ذوي الرأي يرون أن هذا كله تأييد لوجهة نظرهم في أنه لا يصلح الأمور إلا نظام الشورى والخديوي ناقم على رياض لخشونته، وبعض الأجانب لا يسرهم ما قام به رياض من ضبط الأمور المالية. كل ذلك هيأ للثورة العربية.
وتطورت مطالب العرابيين من عدل بين الضباط، إلى تغيير شكل الحكومة من نظام استبدادي إلى نظام شوري، إلى التهييج على الخديوي توفيق إلى المناداة بعزله لالتجائه إلى الدول لحمايته، إلى الدعوة للجهاد في سبيل صد المغيرين. واتسعت الحركة، من حركة محصورة في الجند والضباط، إلى حركة وطنية واسعة تشمل العلماء والأعيان والتجار والزراع وغيرهم، واندس وسط الحركة من يعمل صالح أمير ليحل محل الخديوي توفيق، فجماعة تعمل لصالح الأمير حليم ابن محمد علي، ومن هؤلاء صاحب جريدة «أبو نضارة» ومنهم من يعمل لحساب الخديوي إسماعيل لإعادته، ومن هؤلاء راتب باشا السرادر، وهكذا.
في هذا الجو الذي صورناه صورة صغيرة جدا عمل عبد الله نديم، واحتضنه العرابيون، فكان خطيب الثورة وكاتبها ومشعلها.
Halaman tidak diketahui