والثاني : الانهماك ، وهو أن يعتاد ارتكابها غير مبال بها.
والثالث : الجحود ، وهو أن يرتكبها مستصوبا إياها. فإذا شارف هذا المقام وتخطى خططه خلع ربقة الإيمان من عنقه ، ولا بس الكفر. وما دام هو في درجة التغابي والانهماك فلا يسلب عنه اسم المؤمن ، لاتصافه بالتصديق الذي هو مسمى الإيمان ، ولقوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) (1). والمعني بالآية هو الثالث.
( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27))
ثم وصف الفاسقين بالذم وقرر الفسق فقال : ( الذين ينقضون عهد الله ). النقض فسخ تركيب الشيء ، وأصله في طاقات الحبل ، واستعماله في إبطال العهد ، من حيث إن العهد يستعار له الحبل ، لما فيه من ربط أحد المتعاهدين بالآخر. والعهد : الموثق ، ووضعه لما من شأنه أن يتعهد ويراعى كالوصية واليمين.
وهذا العهد إما العهد المأخوذ ما (2) ركز في العقول من الحجة القائمة على عباده ، الدالة على توحيده ووجوب وجوده وصدق رسوله. وقوله : ( وأشهدهم على أنفسهم ) (3) على هذا المعنى. أو المأخوذ بالرسل على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدق بالمعجزات صدقوه واتبعوه ، ولم يكتموا أمره ولم يخالفوا حكمه ، وأشار إليه بقوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) (4) ونظائره.
Halaman 104