( إن فضله كان عليك كبيرا ) (1)، وأن حرمان بعض عباده عن الاستنباء ليس لضيق فضله ، بل لمشيئته على وفق اقتضاء المصلحة. والحكمة فيه : أن كل خير نال عباده في دينهم أو دنياهم فإنه من عنده ، ابتداء منه إليهم ، وتفضلا عليهم ، من غير استحقاق منهم لذلك عليه.
( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106))
روي أنهم طعنوا في النسخ ، فقالوا : ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا؟! فنزلت : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ).
النسخ في اللغة بمعنى إزالة الصورة عن الشيء وإثبات غيرها فيه ، كنسخ الظل للشمس ، ثم استعمل لكل إزالة ونقل ، كقولك : نسخت الريح الأثر أي : أزالته ، ونسخت الكتاب أي : نقلته ، ومنه التناسخ. ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها ، أو الحكم المستفاد منها ، أو بهما جميعا. وإنساؤها إذهابها عن القلوب ، ومثله قوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) (2) أي : إلا ما شاء الله أن تنساه.
و «ما» شرطية جازمة ل «ننسخ» ، منتصبة به على المفعولية.
وقرأ ابن عامر : ننسخ ، من «أنسخ» أي : نأمرك بنسخها. وابن كثير وأبو عمرو : ننسأها ، أي : نؤخرها من النسا.
والمعنى : أن كل آية نذهب بها على ما توجبه الحكمة وتقتضيه المصلحة ،
Halaman 208