187

أي : قلنا لهم خذوا ( ما آتيناكم ) ما أمرتم به في التوراة ( بقوة ) بجد ( واسمعوا ) سماع طاعة ( قالوا سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ، أى : سمعناه ولكن لا سماع طاعة ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) تداخل فيها حبه ، ورسخ فيها صورته ، لفرط شغفهم وحرصهم بعبادته ، كما يتداخل الصبغ الثوب ، والشراب أعماق البدن. و ( في قلوبهم ) بيان لمكان الإشراب ، كقوله : ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) (1).

وليس معنى «أشربوا» أن غيرهم فعل ذلك بهم ، بل هم الفاعلون ، كما يقول القائل : أنسيت ذلك من النسيان ، وليس يريد أن غيره فعل ذلك به ، ويقال : اوتي فلان علما جما ، وإن كان هو المكتسب. وقيل : إنما أشرب حب العجل قلوبهم من زينه عندهم ودعاهم إليه ، كالسامري وشياطين الإنسان والجن.

وقوله : ( بكفرهم ) معناه بسبب كفرهم ، وذلك لأنهم كانوا مجسمة أو حلولية ، ولم يروا جسما أعجب منه ، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري. وليس المعنى أنهم اشربوا حب العجل جزاء على كفرهم ، لأن محبة العجل كفر قبيح ، والله سبحانه لا يفعل الكفر في العبد لا ابتداء ولا جزاء ؛ بل معناه أنهم بسبب كفرهم بالله اشربوا حب العجل.

( قل بئسما يأمركم به إيمانكم ) أي : بالتوراة. والمخصوص بالذم محذوف ، نحو عبادة العجل ، أو هذا الأمر ، أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث إلزاما عليهم ( إن كنتم مؤمنين ) تقرير للقدح في دعواهم الإيمان بالتوراة ، وتقديره : إن كنتم مؤمنين بها ما أمركم إيمانكم بهذه القبائح ، وما رخص لكم فيها إيمانكم بها ، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئس ما أمركم به إيمانكم بها ، لأن المؤمن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه ، لكن الإيمان بها لا يأمرهم بذلك ، فإذا لستم بمؤمنين.

Halaman 192