Zubdat Kashf
Zubdat Kashf al-Mamalik fi
Genre-genre
وإياك والأمر الذى إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر فما حسن أن يعدر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر ولا يجعل الملك أوقاته كلها مصروفة إلى نوع واحد، فإن ذلك إن كان جدا واجتهادا في مصالح الملك ، والنظر فى تدبيره ضجرت النفس منه وستمت الفكرة فيه ، وربما يؤدى إلى خلل وروى عن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه ، أنه قال: نفسى مطيتى إن أجهدتها كبت بى وإن كان لهوا أو قضاء شهوة أدى إلى تضيع الملك ، وفساد أموره بل عليه أن يقسم أوقاته، فيجعل منها قسما إلى التضرع إلى الله تعالى، والقيام بشكر نعمته وأداء عبادته بخشوع وقسما إلى النظر في مصالح ملكه ورعيته ، وقسما إلى الاختلاء بنفسه لراحته ، وقسما لركوبه على جارى عادته ، وقسما لجلوسه لكشف قضايا رعيته ، وقسما لدخول الجند عليه لأداء وظيفة خذمته ، وقسما لإحضار من يحضر من الرسل لأداء رسالته ، وقسما لاستئناسه بمن يحضر لمحادثته من أخصائه ، وقسما لسكونه ومنامه وقيلولته .
وكذلك يتعين على الملك أن يستعين في الأعمال بكفاءة العمال ، ويعتمد في المهمات الثقال بإجلال الرجال ، فقد قيل : من استعان في عمله بغير كفو ضاع ومن فوض أمره إلى من هو عاجز عنه فقد أفسد وأضاع وليحذر كل الخذر من توليته أحد أمرا من أمور المملكة الدينية أو الدنيوية بشفاعة شفيع ، أو رعاية الحرمة أو قضاء حق إذا لم يكن أهلا لذلك ، فإن أراد مكافاة أحد من هؤلاء فليكافيه بالمال والصلاة ، ويقطع طعمه عما لا يصلح له من الويلات . وكان على باب كسرى خشبة من ساج منفوش عليها بالذهب، الأعمال للكفاءة والحقوق على بيوت الأعمال ، ويتعين على الملك أيده الله أيضا عشرة أمور الأول : حفظ بيضة الإسلام من ناحيته ، لئلا تقوى عليه شوكة كافر ولا يصل إليه فاجر بإقامة الأمراء والأجناد، وإعداد الأهب والاستعداد وإقامة الحرسية والبطائقية وأرباب الإدراك والثاني تفقد الأعمال والحصون والثغور باعتبار أحوال ولاتها، والتبادر فى إصلاح عمارتها ومهماتها وذخائرها ، الثالث السياسات لدفع المفسدين وردع المعتدين ، الرابع إقامة حدود الله المانعة من ارتكاب المحارم ، فقد جعلها الله تعالى حراسة لحفظ النفوس والأموال ، وأمر بإقامتها فلا يحل إسقاطها بشفاعة ولا سؤال، الخامس : دوام تمسكه بحبل الشريعة والتزامها واعتماده في أمره على نقضها وإبرامها ، واعتباره أمور القائمين بأحكامها ، السادس : النظر إلى إقامة ما يلزمه من كسوة بيت الله الخرام ، وعمارة الجسور ليحصل بها النفع للأنام ، والنظر فى أقطاع الأمراء والأجناد والأرزاق ذوى الحقوق من العباد، والسابع : تيقظه على جهات الأموال لاجتلات أنواعها، ومواطن الغلال التى بها تقوية البلاد باعتبار مزارع ضياعها ، الثامن : استخدام الكفاة والأمناء ، واستعمال النصحاء والأقوياء .
التاسع : اجتهاده في كل وقت لكشف المظالم ، وإقامة فريضة العدل لإزالة المظالم العاشر التطلع إلى متجددات الأحوال وحوادث الأمور واستعلام ما يتجدد منها في الأطراف ، مخافة طريان مكروه ومحذور ، وكذلك كل مكان قريب وبعيد ، فتصير حركاته محمودة وهو سعيد ، وأن يجعل بمليها عيوبا بصددها ، وتقية يعتمدهم لرصدها ، ويتعين على الملك أيده الله تعالى تعظيم أهل العلم الذين هم هداة الإسلام والأخذ بخواطر الأمراء والجند ، وتفقد أحوال الرعية ، ويكون حكمه موافق الشرع الشريف على أى مذهب كان من الأربع ، وأن يكون حليما ولا يعجل بعفوبة ولا يعطل الحدود ، ويصون عقله من العجب ، وعطاؤه من السرف وإمساكه من البخل ، وذهنه من البلادة ولفظه من السفاهة ووقاره من الكبر ، ويجتهد أن لا يلفظ لسانه إلا خيرا ، وأن لا يكون متوانا في أمور المملكة ومصالح الرعية ، ولا متغفلا عما ينقل من أخبار رعاياه ، وأن يفحص عن حقيقة ما ينقل إليه فيعتمد الصدق ، ويردع الكاذب لئلا يحدث الفساد، فإن عدل ساعة من الملك بعبادة سبعين سنة ويعرض الجيوش في كل حين ويتفقد أحوالهم ليصيروا محتفظين على أسلحتهم، وأمتعتهم ، ولا يتركهم مهملين يضيعون غالب ذلك ، وإذا بدا له أمران أحدهما إظهار أبهة ، وصرف مال من غير ضرر لأحد والأخر احمال وتحصيل مال فيفعل الأول، وإذا بدا له أمران أيضا أحدهما مصلحة نفسه وتغيير خواطر جنده ، والأخر ضد ذلك فيقدم فعل الثاني إلى أن يتوصل إلى فعل الأول باستجلات خواطر الجند ويبدى لهم أمورا توطن نفسهم على الرضى بذلك ، وإذا لم يكن رضى فيكون عدم تغيرهم ، ويكون فى ظاهر الأمر موافقا لعفولهم ، وفى باطن الأمر موافقا لمصلحته ، وإذا أراد البطش بمن يتعين عليه البطش ، ويتوصل إلى ذلك بأسباب يقيم بها الحجة عليه ، ويظهر للناس أن الذى فعله الملك به معدور وأن لا يشغل فكرته بأسباب المتجر ، فيحصل من ذلك مفاسد كثيرة ، ومنها اشتغال ذاته عن مصالح المملكة .
ومنها تعطيل أحوال التجار ، وقطع رزق غالب المسترزقين من أرباب كل ألة ، فإنهم لا بذ يستعملون في المهمات الشريفة بالأجرة الناقصة ، وأن يكون سمحا رطب القلم ولا يكون سريع الانفعال ، ولا يكون كثير التخيل ، وأن يكون حدورا ولا يثق بقول من ظهرت منه خيأنه لملك غيره ، إلا أن تكون تلك الخيأنه صادرة منه لعده إنصافه .
وهو أهل للإنصاف ، أو رجع عن ذلك وتاب وحسنت سيرته ، ودام على ذلك ، ولا يقرب من آتاه هاربا من عند ملك نظيره ، ولا يفشى له سره بل يكرمه ويبعده عنه ، فإن كان هاربا ممن بينه وبين الملك عداوة فلا يشك ، إما أن يكون قليل الخير ما حفظ خير مخدومة ، أو لمكر ما ليطلع على أحوال الملك فيراسل من هو هارت منه ، وربما ينقر خواطر الجند بكلامه ، وإن كان هاربا من صاحب الملك ، فيكون عدم تقربه له امساكا لخاطر صاحبه ، فإن كان قد وجب على الهارب القتل من المهروب منه ، واستجار بالملك المهروب إليه ، فقد تقدم الكلام عن ذلك في قول أمير المؤمنين إناك وتعطيل حدود الله وإن كان قد أذنت ذنبا ، واستغفر منه فينبغى التشفع فيه ، وإعادته إلى مخدومة ، وإذا أمن أحدا فلا يبدى له سوءأ ، وإذا قدر عفى ويقبل توبة من تاب أو يجزيه في الأقوال والأفعال ، فإن صح له ذلك أعاده إلى ما كان عليه قبل وقوعه في الذنب ، وفى الحقيقة لا يصير إلى ما كان عليه أولا وقد يمكن أنه يتوصل إلى أسباب تزيده رفعة عما كان عليه ، ولا يحكم فى طائفة أقلهم إلا أن يكون أقل من طائفة غيرها ويظهر منه أشياء تقتضى السيادة ، وقد قيل : موت العلماء والعقلاء وإن كان عظيما فهو أهون من تقدم السفل على رقاب الأحرار ، وأن لا يهزل ولا يمازح ولا يقول ما لا يفعل ، إلا أن يكون أمرا يريد به التوصل إلى أغراض ، ولا يشكر نفسه إلا إذا ذكرت بعض أوصافه عند من له ذوق وعقل ، ويتحقق محبته له واطلع على بعضها ولا يكفر النعمة ، ولا يشكر زمانا مضى ويستحسنه على ما هو فيه إلا أن يكون صالحا لدينه ، ولا يظهر لأصحابه قلة قدرته على أعدائه ، ولا يأمر بما لا يستطاع لما قيل فى المعنى : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ولا ينقل ما لا يتحققه ، فيروى عنه فيبحث السامع عن ذلك فيجده غير صدق ، فيصير منسوبا إليه لا إلى ذلك ، ويحفظ المودة ، وإذا بدا له من صديقه زلة لا يقاصصه في الحال بها بل ينظر ما يصدر منه بعد ذلك ، فإن وجده قد رجع فلا يظهره أنه اطلع على ذلك ، وأن علم المبدى أنه اطلع عليه ، فلا يظهره الملك على أنه ناير ، ويبدى له أشياء يوطن بها نفسه ، وإن لم يحمل تلك الأمور قلت أصحابه وبقى فريدا ومن الأمثلة الجارية على ألسنة الناس نحس تعرفه خير من جيد لا تعرفه ، والظاهر أن الذى أراد بذلك أن النحس الذي تعرفه تحترز مما يصدر منه ، والجيد الذى لا تعرفه ريما تركن إليه فيصدر منه ما لا حسبته ، وإن وجده مصرا على ذلك ولم يرجع عما هو عليه فيتركه ، ويحفظ له المودة فى الباطن، ويعزره بحسب ما يليق به فيكون تعزيره فيه ردع لغيره واشتفاء منه ، لكن يكون أخف من تعزيز غيره لأنه سبقت له مودة ، ويبعده إلا أنه يحتاج إلى قوت يقرره له بحسب ما سبقت له من الخدمة .
وإذا ذكره أحد في مجلسه بسوء لا يمكنه من ذلك ، ولا يلتفت إلى قوله ، فإنه قد حصل له التعزيز وإذا ذكره أحد بخير فيفحص عن حقيقة ذلك في الباطن ، وهذا على سبيل والاختصار من مكارم الأخلاق ، وإذا تزوج أو تسري فالأولى أن تكون بكرا ويمنع العجائز من الدخول إلى آدره ولوكن صالحات ، وأن لا يسلك مسلكا يتهم فيه ولا ينكر عليه غيره، ولو كان فى الباطن على الحقيقة ، فإن للناس ما ظهر ، ولا يتقرب إلى شىء مما لا يوافقه في دينه ودنياه ، ويقول في نفسه : هذا لغرض ما وما أنا بواقع فيه ، فإنه ليس بمحمود لة فإن من حام خول الحمى يوشك أن يوقع فيه ، وأن لا يضرب مثلا يقصد به إصلاح شخص لا يفهم ذلك المثل ، فيأخذه بالعكس فيحصل منه مفسدة ، وإذا علم أن شخصا مذنب وهو خائف من ذنبه فلا يذكر حكاية فيها عفوبة ، وهو قاصد معنن ما فيظن الخائف أنه المراد بذلك ، فيحصل منه مفسدة أيضا وإذا أراد التوصل من أحد إلى شىء من أغراضه ، وكان مستحيا أن يواجهه به فيسره إليه مع أحد من جهته، وإن أراد أخفى ذلك بحيث لا يقهم أحد ضميره فيضرب له مثلا بمعفول من ذاته يدل على وصول الغرض إلى ذهن المخاطب مثاله . إنه إذا كان من صحن ، وبجانبه أخر يأكل من ذلك الصحن، ومذ يده إلى قدامه فيضرب له مثلا عند المائدة مرة أخرى فيقل: كان زيد يأكل مع عمرو وكان يسال عن كيفية الأدب فى الأكل ، فكان يوصيه أشياء من جملتها يقول : كل مما يليك ، ويستدل له على ذلك بالحديث الشريف النبوى فيفهم العاقل معنى ذلك ، وأنه إذا أراد عزل من هو موليه شيئا من أموره ، ولم يظهر عيبه للناس فيشرع في مذمة بعض أفعاله ، حتى يليق بعفول الناس عزله ، وأن يستعمل الرفق والسياسة في جميع أموره ، وأن لا يكون حليما قطعا فيهدر ، وأن لا يكون بالضد فيفر منه ويقهر بل يكون أمره وسطأ كما قال رسول الله خير الأمور أوسطها ، وقد أنشد بين يديه ، ولا خير فى حلم إذا لم يكن له بوادر تحمى صفوة إن تكدرا ولا خير فى جهل إذا لم يكن له أريب إذا ما ورد الرأي أصدرا وأن يكون مجتهدا في أمور يكتسبها نقربه إلى الله تعالى ، ويصير فى ذاته ذا أبهة وعند الناس مميزا، فأنه ليس خاف عن ذوى الألباب ما مدح الله به المتقين ، خصوصا أصحاب الأعمال الصالحات ، ولا سيما إن كان ملكا ونفعه عام فيحته الله بإكرام له ، فإنه من لا يحب لا يكرم ، ولا شك أنه يكون محبوبا لله لقوله : { إن أكرمكم عند الله اتقاكم [سورة الحجرات: الاية 13] . وروى في الحديث أن الله تعالى إذا أحب العبد أمر جبريل عليه السلام ، أن ينادى فى الشماء الدنيا ، إن الله أحث فلانا فأحبوه ، وإذا كان متقيا كان محبوبا، وإذا كان محبوبا نودى له بذلك .
وقد تقدم الدليل على ذلك فيحى في هذه الدنيا حياة طيبة ويتمتع ويحصل له مقصوده في جميع الأحوال ، فيكون محبوبا لله وللمخلوفين، وظافرا بأمور الدنيا متمتعا بها ، وفائزا بالذار الأخرة لقوله تعالى : { إن المتقين فى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدره [سورة القمر: الآية 54، 55] ، ومدح الله تعالى المتقين في آيات كثيرة في القرآن العظيم ، ويتعين عليه أيده الله أنه إذا ورد إليه قاصد من ملك من الملوك ممن هو نظيره ، أو دونه ممن لا ولاية له عليه وما تم أحد أعلى منه فلا يخلو إما أن يكون المرسل عدوا أو صاحبا أو مذاهنا ، فإن كان عدوا فينبغى أولا إظهار الأبهة والشهامة ، وما يرهبه وقيام الناموس عليه ، وأن ينزله بمكان ، ويجعل من يحترص عليه لعدم اجتماعه بغيره، بحيث أن تكون جواسيس الملك لا ينقطع عن من أرسله ، ويطالعون الملك بحقيقة الأمور ، فإن كانت الكتب الواردة على يد القاصد يتضمن خشونة الكلام ، فينظر إلى المرسل إن كان جاهلا فلا إلى كلامه ، وتكون قراءة الكتاب بخفية ، وتكون كتابه الجواب بالإلغاء عن الفضل المشوش وإن كان ذا عقل يدعى قوة فيتعين جوابه، فإنه لا يتصور أن يحدث ممن هو ذو عقل ضعيف القوة خشونة الكلام ، فيكون ذلك حمق منه مع علمه به ، وهدا من غاية المعرفة لا من الجهل، فإن الجاهل يعتمد أن الحمق منه حسن، والعاقل يبراه على حقيقته ، لكن يكون صدوره منه على سبيل النقص بالمرسل إليه ، وغاية العظمة لنفسه فيكون ترك جوابه أبلغ وأعظم مما فعله ، وما يعتقده لنفسه وفى غاية الأهبة ، كقول أهل الفضل : جواب الأحمق ترك جوابه.
وإن كان يتضمن سؤال شىء لا يمكن ، فيتعين الاعتدار عنه بما يقبله عقل السائل مع إظهاره أن القصد إجابة سؤاله ، وإن كان مما يمكن إجابته ، فينبغى ذلك ولا يلتفت إلى عداوته ، فيكون من باب السياسة ، ويكون كما قال بعضهم : من اصطلح مع الأضداد بلغ المراد ، ويكرم القصاد وينعم عليهم ، ويرسل إليه نظير ما أرسل وزيادة .
وأما ما كان مخالا فيتعين مطالعة المرسل بأن ذلك محالا ليتحققه ولا يصير له عليه عتب ، ويخاطبه بما يقتضيه عقله وإن كان صاحبا فيتعين إكرامه وإجابة سواله ، وإن كان في ذلك مشقة إلا أن يكون أمرا يؤدى إلى خلل ، فيتعين إعلامه بذلك بعد الاعتذارات ، وإن كان الصاحب جاهلا ، فيتعين مداراته بكل ما تصل القدرة إليه ، فإنه من عدم المداراة عدم التوفيق، وليس مصاحبته محمودة لكن لأجل الضرورة ، وقد قيل فى المعنى . معاداة العاقل ولا مصاحبة الجاهل والشرح في ذلك يطول واتفقت نكتة فى المعنى أحببت ذكرها ، وهى حكى أنه كان رجل حظاب ، وكان يسرح لجمع الخطب ، قوجد هناك دية فخاف منها حين أقبلت عليه ، فصارت تتملق له ، وكان معه رغيف أطعمها إياه ، فصارت تعاونه على جمع الخطب وحمله وصارت مستمرة على ذلك مدة طويلة ، فجاء يوما ومعه بعض أصحابه ورقد تحت شجرة وصاحبه ينظر إليه ويخاف يقربه من الدية ، وهى راقدة بجنبه تحرسه ، فطارت ذبابة ونزلت على وجهه ، فجعلت تنشها فتطير تم تعود، فحصل للدية بذلك غبن ، وقصدت الشفقة على صديقها فحملت حجرا تقيلا ، وأرادت قتل الذبابة لتحصل الراحة لصاحبها فجاءت من أعلى الشقيف وسقطت الحجر على الذبابة ، وهى على وجهه فكسرت رأسه فمات من ساعته ، قهرت رفيقه وأعلم أهله .
فهذه عاقبة الجاهل وإن كان المرسل مذاهنا فينبغى للملك أن لا يلتفت إلى كلامه على أنى صفة كانت بل يعامله بمعاملته للناس ، وما يضر الضحك على لحيته والخذر منه ، ويتعين عليه أيده الله عدم المبادرة إلى الأمور إلا أن يكون أمر يحصل بتأخيره مفسدة ، ويتعين عليه أيده الله أنه يلبس أفخر القماش ، ويركب أحسن المراكب بحيث أن يكون أعلى من جيشه فأنه من كمال الأبهة وكثير من الملوك يفعل بضد ذلك ، ويقول في نفسه : أنا معروف وليس ذلك بمحمود ، ويتعين عليه أنه إذا أرسل جيشا إلى جهة من الجهات ، وأقام على الجيش مقدما يكتب له تذكرة بالمقصود ، وكذلك كل من يرسل إلى مهم من المهمات ، فيصير الاعتماد على التذكرة ، ويتعين عليه أيده الله كشف أمور نوابه ، وأرباب وظائفه ويتحقق ما هم عليه ، فمن تحقق منه سلوك الطرق الحميدة أبقاه ، وإن أريد على ذلك بمبالغة الخدمة والتقرب إلى خاطر الملك والنصح ، فيرقيه إلى ما هو أعظم مما هو فيه ، ومن تحقق منه ضد ذلك فيكون الأمور بضد ما ذكر ويتعين عليه أيده الله أنه إذا حضر جماعة لشكوى أحد من المشار إليه فلا يسمع شكواهم ، لئلا تتجاسر الرعية على الحكام وينتهكون حرمتهم فيفسد النظام ، وأن يكون جوابه للشكاة لا بذ من الكشف عن هذه القضية ، وتحقيقها ، ويأمرهم بسلوك طاعته ، وعدم الخروج عن أوامره ، ويرسل فى الباطن يعرف المشكو عليه بسلوك الطرق الحميدة وإرضاء الخصومة ومسايسة الأحوال ، فإن امتثل ذلك فلا ىكلام ، وإن تكررت الشكوى من الأخصام بعينهم فيحزر القضية ، ويعزر بحسب ما يراه ، فإن لم ينصلح بذلك وإلا عزله ، ويتعين عليه أيده الله أنه إذا عزل أحدا عن وظيفته يفكر فى أمره ، إن كان له ذنوب سالفة ، فالملك باختياره إن شاء عفى وإن شاء انتقم منه .
Halaman tidak diketahui