...وقد تقدم أن ابتداء عبادة الأصنام إنما كان من فتنة القبور ؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب ؛ لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد ، وأن هؤلاء المردة كانوا يصلون في المواضع التي دفن فيها أنبياؤهم ، إما ظنا منهم بأن السجود لقبورهم تعظيم لها ؛ وهذا شرك جلي ؛ ولهذا قال النبي عليه السلام : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ". وإما ظنا منهم بأن التوجه إلى قبورهم حالة الصلاة أعظم موقعا عند الله تعالى ؛ لاشتماله على أمرين : عبادة الله تعالى وتعظيم الأنبياء . وهذا شرك خفي .
...قال ابن القيم في [ إغاثته ] نقلا عن شيخه ابن تيمية : وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيرا من الأمم ، إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك ن فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بشجر أو حجر ؛ ولهذا نجد كثيرا من الناس عند القبور يتضرعون ، ويخشعون ، ويخضعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في مساجد الله تعالى ولا في وقت السحر ومنهم من يسجد لها وكثير منهم يرجون من بركة الصلاة عندها ولديها مالا يرجون في المساجد لأجل هذه المفسدة حسما لنبي عليه الصلاة والسلام مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد الصلاة عندها ووقت طلوع الشمس ووقت غروبها ووقت استوائها لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة للشمس فيها فنهى أمته عن الصلاة وإن لم يقصدوا ما قصده المشركون .
...وإذا قصد الرجل الصلاة عند المقبرة متبركا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى فإن العبادات مبناها على الاستنان والاتباع لا على الهوى والابتداع فإن المسلمين اجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين نبيهم : أن الصلاة عند المقبرة مني عنها .
Halaman 6