في الليل تطاردني الأشباح، يتجسد الله أمامي على شكل رجل ضخم الجثة، وجهه يغطيه الشعر والشارب واللحية، عيناه حمراوان مشتعلتان بنار حمراء، صوته يخرق أذني مثل قضيب حديدي محمى في النار، يدخل القضيب أذني اليمني. كان الله يأتي دائما من ناحية اليمين، أما إبليس الشيطان فكان يأتي من جهة اليسار.
كنت في الثامنة من العمر ، أخلط بين الله وإبليس، كلاهما يظهر على شكل رجل يغطي الشعر رأسه ووجهه، عيناه مشتعلتان بنار حمراء، يهددني بالعقاب. إصبعه الطويلة المدببة تكاد تخرق عيني، أدفعه بعيدا عني وأنا غارقة في النوم لكنه لا يبتعد، تظل إصبعه الطويلة الصلبة أمامي، يشبه القضيب الحديدي الطويل المدبب. يهبط من عيني إلى عنقي، يلتفت حول عنقي، يخنقني بأصابع حديدية، أفتح فمي لأصرخ لكن صوتي لا يخرج. تهبط إصبعه من العنق إلى الصدر، يغرز ظفره الحاد في صدري، في النهد الأيمن إذا كان الله، في النهد الأيسر إذا كان الشيطان. لم يكن نهداي قد برزا بعد، مجرد برعمين صغيرين لكل منهما حلمة سوداء مستديرة، تدوسها الإصبع حتى أصرخ من الألم، يضع كفه الكبيرة فوق فمي ليكتم صوتي، ثم تهبط الإصبع فوق البطن، أسفل البطن، فوق العانة الملساء بغير شعر، ينزلق من فوقها ليدخل في ثنايا اللحم، حتى البؤرة الخفية في الأحشاء.
في السابعة من عمري علمني أبي الصلاة، أسجد بين يدي الله أطلب المغفرة. كنت أظن أنني الآثمة وليس الله أو الشيطان، كان أبي يقول: أحلامنا تكشف عن رغباتنا الآثمة. يطلب مني أن أصلي قبل أن أنام. سمعني مرة وأنا أتكلم في النوم؛ كنت أطرد الإصبع التي تطاردني في الحلم، أصدها عني بكل قوتي، أزعق في وجهه، أوجه إليه الشتائم، سباب من نوع شديد البذاءة، مثل الذي كنت أسمعه من أولاد الشوارع.
بلغت التاسعة عشرة من عمري، ذهبت إلى الطبيب النفسي زميل أبي القديم في المدرسة، حكيت له عن أحلامي، لم أنطق كلمة الله أو الشيطان حتى أعطاني المخدر، تمددت فوق الأريكة ما بين الوعي واللاوعي، سمعت الطبيب النفسي يقول: احكي يا مجيدة لا تخافي. - أنا خايفة يا دكتور. - خايفة من إيه؟ - من ربنا. - ليه خايفة منه يا مجيدة؟
كانت عقدة لسانها قد انحلت قليلا، بدأ صوتها يخرج متحشرجا مكتوما مرتجفا: باشتمه وأنا نايمة. - تقوليليه إيه يا مجيدة؟ - كلام وحش زي بتوع الشوارع. - زي إيه يا مجيدة. - زي يابن ال...
ينقطع صوتها قبل أن تكمل الكلمة، تنفتح عيناها المذعورتان، تتفاديان النظر ناحية الطبيب. - اتكلمي يا مجيدة ما تخافيش. - خايفة يحرقني في النار يا دكتور. - نار إيه يا مجيدة؟ - نار جهنم.
رمقها الطبيب بإشفاق. بدت طفلة في التاسعة عشرة من عمرها، جسمها القصير السمين ممدود فوق الأريكة، بشرتها بيضاء ناعمة، أصابعها بضة رقيقة.
امتدت يده وأمسك يدها، التقت أصابعها الخمس حول يده، كالطفل المولود تلتف أصابعه حول إصبع الأم.
أمسكت إصبعه في يدها، قبضت أصابعها الخمس على إصبعه مثل الكماشة. - اسمعي يا مجيدة ما فيش حاجة اسمها نار جهنم. - اتسعت عيناها على آخرهما، انحسرت الجفون عن مقلتين صغيرتين سوداوين، تتذبذبان في مساحة كبيرة من البياض، تتخفيان في ما تحت الجفون، يصبح البياض أكثر مما كان، كتلة من البياض ليس فيها إلا البياض.
يعرف الطبيب هذه الحركة، حين يهرب البؤبؤ تحت الجفن، حين يبلغ الخوف مداه، يصبح الإنسان مثل الفأر. - ما تخافيش يا مجيدة، أنا جنبك.
Halaman tidak diketahui