وانطلق لزيارة مواقع العمل، فأخذ يثبت السلالم المتنقلة بأربطة، ويجمع المعدات في حزم ملفوفة، مثل الفراجين ووحدات البلاط والألواح المجصصة، وكان قد انتهى من العمل في نحو نصف المواقع حين اتجه إلى المنزل لوداع كاثي والأطفال.
كانت كاثي تنقل عددا من الحقائب الصغيرة إلى سيارتها، كانت قد حزمت ما يلبي احتياجهم لمدة يومين من الملابس وأدوات التزين والأغذية. وقالت في نفسها إنهم سوف يعودون في مساء يوم الإثنين بعد أن تأتي العاصفة وتمضي.
وأدارت كاثي الراديو في شاحنتها الصغيرة فسمعت العمدة ناجين وهو يكرر تعليماته لأهل المدينة بمغادرتها، ولكنها لاحظت أنه لم يكن يدعو إلى الإخلاء الإجباري، وكانت واثقة بأن ذلك سوف يزيد موقف زوجها صلابة. وحولت مؤشر الراديو إلى محطة أخرى، وكان المذيع هنا يقول محذرا إن على كل من يعتزم البقاء أثناء العاصفة في نيو أورلينز أن يكون متأهبا لوقوع فيضان، موضحا أن السدود قد تحدث بها شروخ ينفذ منها الماء، وقد ينشأ الفيضان من موجات البحر التي تدفعها العاصفة، وقد يصل ارتفاع المياه إلى عشر أقدام أو خمس عشرة، وعلى كل شخص ذي رأي متصلب أن تكون لديه فأس يكسر بها سقف غرفة السطح للوصول إلى السطح العلوي للمنزل.
وأوقف زيتون شاحنته وتركها في الشارع المواجه للمنزل، وشاهدته مقبلا نحوها، لم تكن كاثي تشك قط في قدرته على رعاية نفسه في أي ظروف، ولكن قلبها كان الآن يخفق بشدة. هل تتركه الآن لتتولى أمورها بنفسها، وتتركه ليحفر ثقبا في غرفة السطح بفأس في يده؟ كان ذلك جنونا!
ووقف هو وكاثي في مدخل المنزل، مثلما فعل في المرات العديدة التي رحلت فيها مع الأطفال وتركته وحده.
وقال زيتون: «الأفضل أن تسرعي. كثيرون يرحلون الآن.»
ونظرت كاثي إليه، وساءها كثيرا أن تشعر بالدموع في مآقيها. وأمسك زيتون بيديها.
وقال: «هيا هيا! لن يحدث شيء. الناس تثير ضجة بغير مبرر.»
وقالت عائشة بصوت منغوم من المقعد الخلفي: «باي باي يا بابا!»
ولوح الأطفال بأيديهم. لوحوا جميعا؛ كل أطفاله، وهو واقف في مدخل المنزل. لم يكن في هذا كله جديد، فلقد عاش الجميع هذه اللحظة عشر مرات؛ حينما كانت كاثي والأطفال يسافرون طلبا للمأوى الآمن أو للراحة، تاركين زيتون لرعاية منزله ومنازل الجيران والعملاء في شتى أرجاء المدينة. كان يحمل مفاتيح عشرات الأبواب؛ إذ كان كل فرد يأتمنه على منزله وكل شيء فيه.
Halaman tidak diketahui