وارتدى زيتون الشورت وال «تي شيرت»، ثم سيق إلى خارج الحجرة حيث شاهد تود. كان تود قد انخرط فعلا في مجادلات يتهدد الجميع فيها برفع القضايا عليهم وفقدانهم كل وظائفهم، وسرعان ما دفع الجنود تود إلى داخل الحجرة، وأغلق بابها، فكتم الباب الفولاذي أصوات اعتراضاته.
وعند اكتمال تفتيش تود، سيقا معا إلى محطة الأوتوبيس، وكان زيتون واثقا بأنه شاهد نظرات في بعض الوجوه تنم عن معرفة ما وقع، وجوه جنود ورجال شرطة يدركون ما حدث في الغرفة.
وسيق زيتون وتود إلى القسم الخلفي من المحطة في اتجاه الأبواب المؤدية إلى الأوتوبيسات والقطارات، واختلطت الأفكار في رأس زيتون. هل يمكن بعد كل هذا أن يكون القصد فعلا إجلاءهما من المدينة؟ ربما كان القصد من تجريدهما من الملابس ضمان عدم سرقتهما أي شيء، وبعد أن تأكدت براءتهما يساقان الآن إلى الأوتوبيس. كانت الفكرة غريبة، لكنها لم تكن خارج نطاق الاحتمال. •••
ولكن عندما فتح الحراس الأبواب شهق زيتون شهقة سريعة، كانت ساحة الانتظار التي يوضع فيها عادة أكثر من عشرة أوتوبيسات قد تحولت إلى سجن شاسع في الهواء الطلق.
كانت قد أقيمت أسوار من السلاسل التي تعلوها الأسلاك الشائكة، بحيث أصبحت تشكل قفصا طويلا يزيد ارتفاع أسواره على خمسة أمتار، ويمتد إلى مسافة تصل إلى نحو مائة متر داخل ساحة الانتظار. وكان للقفص سقف ناقص مثل الظلة التي تقام في محطات البنزين، وكانت الأسلاك الشائكة تعلو حتى تلتقي بذلك السقف.
وسيق زيتون وتود إلى مقدمة القفص التي لم تكن تبعد عن مؤخرة محطة الأتوبيس إلا ببضع أقدام، وفتح حارس آخر باب القفص، ودفعا إلى داخلها. وأغلق القفص ثم وضع له رتاج من السلاسل التي ربطت بقفل، وعلى مبعدة منها كان سجينان آخران، كل منهما في قفص مستقل.
وقال تود: «شيء لا يعقل!»
ولم يصدق زيتون ما يرى، لقد شهد سلسلة تذهب العقل من الأحداث؛ إذ قبض عليه تحت تهديد السلاح في منزل يملكه، وأحضر إلى قاعدة عسكرية مرتجلة أنشئت داخل محطة أوتوبيسات، واتهم بالإرهاب، وحبس في قفص في الهواء الطلق. لقد كان ذلك يتجاوز أقصى الروايات السيريالية التي سمعها عن تنفيذ القوانين في العالم الثالث.
وانطلق تود يسب ويلعن داخل القفص، لم يكن يستطيع تصديق ما حدث، لكنه تذكر أن ذلك كانت له سوابق، فأثناء احتفالات ثلاثاء المرفع، وامتلاء السجون المحلية بالسجناء، كان رجال شرطة نيو أورلينز كثيرا ما يحبسون السكارى واللصوص في سجون مؤقتة أقيمت داخل الخيام.
ولكن هذا السجن كان أكثر تنظيما، ولم ينشأ إلا بعد العاصفة، وعندما تفحصه زيتون اتضح له أنه لم يكن قفصا واحدا طويلا، بل سلسلة من الأقفاص الصغيرة المنفصلة. وكان قد شاهد أمثالها من قبل في عقارات العملاء الذين يربون الكلاب. وكان هذا القفص يشبهها؛ فهو حظيرة ذات سور واحد، مقسمة إلى حظائر أصغر. وعدها فوجدها تبلغ ست عشرة حظيرة. كانت تشبه بيتا ضخما من بيوت الكلاب، ولكنها تستدعي صورا أقرب وأشد ألفة في الذهن.
Halaman tidak diketahui