وأسرعت السفينة في شارع كليبورن ثم نابليون حتى غدت المياه ضحلة عند تقاطع شارع نابليون وسانت تشارلز.
وأوقف الربان محرك السفينة، وتركها تبطئ حتى ترسو ناحية التقاطع. كان في ذلك المكان اثنا عشر رجلا يرتدون الأزياء الرسمية للحرس الوطني. وانتبهوا جميعا لما يحدث، وتطلع عدد قليل من رجال آخرين يلبسون صديريات واقية من الرصاص، ونظارات شمسية، وقبعات سوداء إلى القادمين. كانوا ينتظرونهم.
وفي اللحظة التي سيق زيتون والثلاثة الذين معه فيها خارج السفينة، انقض عليهم أكثر من عشرة جنود، فوثب رجلان يلبسان واقي الرصاص على زيتون وطرحاه أرضا، فدفن وجهه في الكلأ المبتل، واضطر إلى بصق ما دخله من الطين، وكانت ركبة أحدهما فوق ظهره، ويداه فوق ساقي زيتون. وشعر كأن من فوقه ما لا يقل عن ثلاثة رجال يرغمونه بكل قوتهم على الثبات على الأرض، على الرغم من أنه لم يتحرك ولم يقاوم، ثم شد ذراعاه خلف ظهره، وقيدتا بأربطة من البلاستيك، وربطت ساقاه معا، وفي غضون ذلك كله كان الرجال يصدرون الأوامر بصوت مرتفع قائلين: «اثبت في مكانك!» «ابق كما أنت يا ابن الداعرة!» «لا تتحرك أيها القذر!» ومن طرف عينيه كان يرى الثلاثة الآخرين - ناصرا وتود وروني - منطرحين على الأرض ووجوههم في الرغام، وركب الرجال فوق ظهورهم، وأيدي الرجال فوق أعناقهم. كان المصورون يلتقطون الصور، والجنود يرقبون ما يجري، وقد وضع كل منهم إصبعه على زناد سلاحه. •••
وكافح الرجال الأربعة لاستعادة توازنهم وأرجلهم مقيدة أثناء رفعهم، ودفعهم في شاحنة ضخمة بيضاء. جلسوا على مقعدين خشبيين داخلها يواجه بعضهم بعضا، لم يتكلم أحد، ودخل أحد الجنود فجلس في مقعد السائق، وبدا أن وجهه منشرح، فجازف زيتون بسؤاله.
قال زيتون: «ما الذي يحدث هنا؟»
قال الجندي: «لا أدري. فأنا من إنديانا.»
وانتظروا ثلاثين دقيقة في الشاحنة، كان زيتون يستطيع متابعة ما يجري خارجها؛ جنود يتحدثون بنبرات توحي بالعجلة بعضهم مع بعض وفي أجهزة اللاسلكي. كان ذلك الموقع تقاطعا حافلا بالحركة يمر به في كل يوم. واستطاع أن يرى مطعم كوبلاند، الذي كثيرا ما تناول الطعام فيه مع أسرته على ناصية الشارع، أصبح الآن موقعا عسكريا، وكان زيتون أسيرا، وتبادل النظرات مع تود، كان تود يحب التفكه، وسبق له أن خرق القانون مرة أو مرتين، وهكذا فقد كان، حتى في المقعد الخلفي لشاحنة عسكرية، يبدو كمن يجد فيما حدث ترفيها، فكان يهز رأسه ويدير عينيه دهشة.
وتذكر زيتون الكلاب التي كان يطعمها، ولفت إلى ذلك نظر أحد الجنود الذين يمرون وراء ظهر الشاحنة المفتوحة.
قال زيتون: «كنت أطعم الكلاب. هل أعطيك العنوان فتخرجها وتنقلها إلى مكان؟»
فقال الجندي: «قطعا. سوف نعتني بها.»
Halaman tidak diketahui