وزحف زيتون إلى السطح من خلال النافذة، كانت السماء ملبدة بالغيوم والرياح باردة، جلس وجعل ينظر إلى المدينة على البعد.
وخطر له خاطر مقلق، وهو ألا يكون قاتلو الكلاب من رجال الشرطة أو الجيش على الإطلاق. وقال زيتون في نفسه ربما كانت كاثي محقة، وكانت في المدينة عصابات مسلحة تقتل ما تشاء أن تقتله.
ونظر فيما يملكه شخصيا من إمكانات الدفاع عن نفسه؛ إذ ماذا عساه أن يفعل لو جاء الرجال هنا إليه ؟ لم يكن قد شهد حوادث سطو في هذا الحي حتى الآن. ولكن فلنفترض أنهم جاءوا إلى هنا؟
وعندما اشتدت ظلمة الليل، تمنى زيتون لو لم يكن وحيدا. وخطر له أن يعود إلى المنزل الآخر ليحدث تود وناصرا عما رآه.
ولكنه لم يذهب، بل ظل جالسا على سطح المنزل، محاولا إقصاء التفكير في الكلاب على المعبر العلوي، ربما كان به ضعف من هذه الزاوية فلقد كان دائما حنونا على الحيوانات، وكان لديه في طفولته عدد كبير منها، فلقد اقتنص السحالي والسرطانات البحرية، بل آوى حمارا شريدا في زقاق خلفي عدة أيام، وكان يعتزم امتلاكه ورعايته. وقد وبخه والده على ذلك، وعلى مشروع تربية الحمام الذي كان يشارك أخاه أحمد القيام به، والواقع أن ذلك كان من بنات أفكار أحمد، أحد المشروعات التي أغرى أخاه الأصغر بتنفيذها.
قال له أحمد ذات يوم: «تريد أن ترى شيئا؟» كان أحمد في السادسة عشرة، وكان عبد الرحمن يتبعه أينما ذهب.
وبعد أن جعل أحمد أخاه عبد الرحمن يقسم على كتمان السر، اصطحبه أحمد إلى السطح وأراه قفصا صنعه من الأخشاب المهملة والشباك السلكية، وكان في داخله عش من القش وورق الصحف، وفي داخل العش طائر، قال عبد الرحمن في نفسه إنه ما بين الحمامة واليمامة، وكان أحمد يعتزم صنع عشرات مثل هذا القفص ووضعها على السطح، وأن يطعم الحمام ويرعاه، ويدربه على نقل الرسائل. وسأل أحمد أخاه عبد الرحمن إن كان يحب مساعدته. وكان عبد الرحمن يحب ذلك حقا فاتفقا على رعاية الطيور معا، وكان عبد الرحمن، باعتباره الأصغر، مكلفا بتنظيف الأقفاص إذا دعت الضرورة، وأحمد باعتباره الأكبر والأكثر خبرة بهذه الأمور، مكلفا بالعثور على طيور جديدة، وإطعام الطيور الموجودة، وتدريبها عندما يحين الوقت.
وهكذا كانا يقضيان هناك ساعات طويلة، يراقبان الطيور تأتي وتذهب، ويقومان بإطعامها من راحة اليد، مستمتعين بالألفة التي تتيح للطيور أن تحط على أذرعهما وأكتافهما.
وسرعان ما أصبح لديهما ثلاثون طائرا أو أكثر تعيش فوق سطح منزلهما ، وبنى أحمد وعبد الرحمن مساكن أخرى لها، حتى غدا لديهما مجمع لم يكن يختلف عن أبراج الحمام المبنية من الحجر واللبن في الحي الذي يقيمان فيه، بيوت يتكوم بعضها فوق بعض، وتعلو من المحيط، وتتقاطع مثل الفسيفساء البسيطة، وتمتد داخل اليابسة.
وكان كل شيء يسير على ما يرام حتى اكتشف محمود والدهما، تلك الهواية، وكان يرى أن الاحتفاظ بالطيور مضيعة فظيعة وغير صحية للوقت، وكان محمود منذ وفاة ابنه محمد، نافد الصبر، ضيق الصدر، فكان الأطفال ينشدون التسرية خارج المنزل الذى تكتنفه الأحزان، كان الوالد محمود يصر على أن هذه الهواية كانت تشغلهما عن واجباتهما المدرسية، وإذا ضحى هذان الاثنان بتعليمهما في سبيل الحمام فلن يبقى له سوى الحمام وولدين أميين.
Halaman tidak diketahui