نهض زيتون مبكرا في الصباح، فهبط إلى قاربه، وعبر به الشارع لإطعام الكلاب، وتسلق الشجرة من النافذة وأطعمها ما بقي من اللحم.
سألها: «هل تحبين الشواء؟»
كانت الكلاب تحبه.
وقال: «أراكم في الغد.» وهو يذكر نفسه بإحضار بعض الطعام من تود.
عاد فاصطحب ناصرا، ونقله إلى المنزل في شارع كليبورن، ثم انطلق وحده. لم يكن واثقا أين يذهب اليوم، وهكذا اختار طريقا جديدا، يقضي بعودته أولا إلى شارع دارت، ثم الاتجاه شرقا إلى إيرهارت، قاصدا طريق جيفرسون دافيز.
كان هذا النهار يزيد هدوءه عن اليوم المنصرم، لم تكن في السماء طائرات عمودية، ولا زوارق حربية في الماء، وقل من رآهم يخوضون في الماء الذي اكتسى الآن لونا رماديا ضاربا إلى الخضرة، وعلى صفحته في كل مكان بقع من الزيت، وكانت رائحته تشي بقذارة تزداد يوما بعد يوم، بمزيج تعس من السمك والطين والمواد الكيميائية.
وعندما اقترب من مفترق طرق إيرهارت، وجيفرسون دافيز، وواشنطن، رأى ارتفاع الأرض قليلا حتى إنه شاهد الكلأ الجاف، مساحة شاسعة عند التقاطع يمتزج فيها اللون الأخضر باللون البني في الوسط، وفوق الكلأ رأى مشهدا مدهشا، خصوصا في إطار ما كان يتحدث عنه مع ضيوفه في الليلة السابقة، رأى ثلاثة أحصنة تمضغ الطعام في سعادة، كانت تتمتع بالحرية، فلم يكن يركبها أحد، ولم تكن عليها سروج.
كان المشهد ينتمي لدنيا الشعر وعالم الوهم في آن واحد، فاقترب في قاربه منها، ورفع حصان من بينها رأسه حين أبصر زيتون. كان حيوانا جميلا، أبيض اللون وذا نظافة كاملة. ولما أدرك أن زيتون لا يمثل خطرا عاد الحصان إلى وجبته، واستمر الآخران يأكلان، وكان أحدهما أسود والآخر رماديا، أما كيف أتت الخيل إلى هنا فكان يتجاوز قدرة مخيلة زيتون، ولكنها كانت هانئة، فيما يبدو، برضا سماوي، تستمتع بحريتها.
وظل زيتون يرقبها بضع دقائق ثم استأنف رحلته.
وسار زيتون بقاربه إلى شارع جيفرسون دافيز، وعندما وصل إلى الجسر على شارع أ-10 حمل القارب حتى تخطاه ثم استأنف التجديف، حتى وصل إلى القسم السكني في الطريق. وبالقرب من ناصية شارع بانكس، سمع صوت امرأة. «أنت يا من هناك؟»
Halaman tidak diketahui