ولما رأت خالة حامد أنهم جميعا سكوت انضمت إلى الست أم أحمد وصاحبتها وسألتهما: - مين منكم سمع صريخ مراة حسنين أبو مخيمر الليلة. - حسنين أبو مخيمر! ليه؟ - يوه؟ دا مسك مراته فضل يضرب فيها هيه هيه لما قال بس.. قال يا ستي متقاتل ويا جوز أم السعد وبيقول (والله إلا هلكته الكلب.. بس إياك عاد هو يفتح حنكه) هي ردت عليه وقالت: (ليه يا شيخ. الطب أحسن) هو سمع كده وعفاريته طلعت (وأنت رخره يا بنت ال.. جايه وياهم) وشال ايده في الهوا وراح سافخها كف نزلت في الأرض روحها سارقة. وهو من شطارته ينط في بطنها بالرجل ويقول لها (قومي يا بنت ال.. بلا مكر) قول وبعدين أبصر مين دخل ورشوا على وشها ميه لما صحيت مبهدلة مسكينة بصت له وقالت (طيب يا حسنين برضه معلهش كتر خيرك) ويا عيني خذتها نفسها راحت معيطة. صاحبنا إلا يشيل ايده في الهوا من تاني ويقول لها (برضه بتعيطي يا مره يالايده) وراح سافخها بالكف ومن الناحية التانية وكمان كف ما لحقوا الناس يحوشوا إلا بعد هي ما دبت بالصوت وراحت مرمية خالصة زي اللى حاتموت، وبعدين خدت بنتها وراحت على دار أبوها. ولازم حايقدم بلاغ في حق الراجل أبو مخيمر. يبقى مقدم بلاغين في حقه في ليلة. - أعوذ بالله. يا اخواتي الناس دول وحوش. لاه. إخص. •••
وتخلص حامد من الفتاة الصغيرة التي كانت معهما وصار وحده إلى جانب عزيزة، ولكن ماذا عساه يفعل؟ إنه لا يدري ما يقول، وكل ما قدر عليه أن أخذ في يده يدها وقد علته حيرة شديدة، أما الفتاة فلم تفهم لتلك الوحدة من طعم، وودت لو رجع إليها من يغيثها منها. أليسا هما اللذين طلبا ذلك، وتفاهما عليه؟ فهل يتركان المصادفة تمر وهما حانقان عليها.
ولكنهما معذوران. إنهما لم يحبا من قبل إلا في الأحلام، ولا عرفا تلك النظرات التي بين المحبين إلا أن يكونا قرآ عنها في بعض الروايات التي تترجم لهما. وإنما يعرفان الحياة الباردة، حياة الجماعة حيث ينقضي الوقت في الهواء، أو حياة الوحدة حياة الخيال حياة الشعر. خير حياة بعد حياة الحب.
بالرغم من ذلك الإحساس في نفوسهما تريثا في مشيتهما حتى بعدا عن الجماعة. وما كان حامد ليترك الوقت يمر وأن يكون التبلد أو الجمود هو كل ما يوحي به الليل الجميل وهواؤه العذب منفردا إلى جانب محبوبته ممسكا يدها ، فرفع إلى فمه اليد العزيزة ووضع عليها قبلة هادئة ساكنة وقال: إحنا يا عزيزة مش حانعرف نكلم بعض.
فأطرقت هي إلى الأرض لا تحير جوابا، وكأنها تفتش في كل وجودها عن داعية ذلك الانفراد الذي يبغيانه من زمان فلا ترى له سببا، ثم نادى بهم عمه فلحقه الباقون وخفف عنها حين جلسوا جميعا على جسر الترعة مسطوحا تحت النور، وبينه وبين الماء الذي ينساب وتتلوى على سطحه موجاته - لامعا عليها عاشق السماوات ببديع صورته - يقوم الحشيش الأخضر نائما بعضه على بعض في جوف الليل ومستحما بالماء تحته والنور من فوقه. جلسوا يتحادثون وفردوا أمامهم بعض فاكهة وحلوى مما يأكلون، والكون من حولهم ساكن أخرس لا صوت فيه ولا رنين، وكل شيء ممتع بتلك الساعة الهامدة ران بعينيه لعين القمر.
قضوا زمنهم في معروف القول، ثم قاموا والسيدات آسفات على الساعات اللذيذة سريعة المر يرين فيها تحت جناح الليل الموجودات التي لا يعرفن ويسرن بين المزروعات الناضرة لحظات لتضمهن الجدران أشهرا. وهكذا رجعوا إلى منازلهم والوقت أمسى متأخرا عن عادتهن.
فلما كان الصباح، وقد قامت عزيزة من مضجعها قضت فيه ليلة ساكنة، ونوما هادئا جلست تستعيد لنفسها الليلة الماضية وتلك الساعة التي انفرد بها حامد، وقبلته التي وضعها على يدها لا على ثغرها كما وعد في آخر جواباته. ثم ذلك الذهول الذي كان يصيبها حتى عدت في نفاد تلك اللحظة نجاة من ورطة كبيرة. وبعد أن بقيت مدة ليست بالقصيرة تتأمل في ذلك كتبت لحامد:
أخي حامد
أبعد ليلة الأمس لا تزال تحبني؟ إن قلبي يوحي إلي بمقدار ما بعث به لنفسك سكوتي إلى حد التألم ساعة انفرادنا. وأحس الساعة أني لا أستحق حبك. ما لنا جماعة الدفينات وللحب! إنما نحن في ظلام نتلذذ منه بخيالات لا وجود لها.. وأنا الأخرى لا أريد أن يبقى لي من ذكر عندك. كلا! لا أستطيع أن أحتمل ذلك وأحملك به. إنها لخطيئة أن تحب من ذهب بها أهلوها للدير، ولسنا أقل تبتلا من هاتيك الراهبات وإن كنا أقل عبادة.
انسني يا حامد إلى الأبد، إنه جنون قام برأسي فكتبت لك في خطاباتي الأولى ما كتبت عن غير قصد من غير أن أفهم ما كنت أقول. لكم جمال الوجود، لكم السماء والزرع والماء والليل والقمر، فاحيوا ممتعين بهاته الأشياء وذرونا في صوامعنا وسجوننا.
Halaman tidak diketahui