وكان لأبى على جاسوس، وكان سبكتگين يعرفه، ولما رأى الصلاح فى عدم الحديث معه لم يظهر مطلقا حقيقته. وذات يوم، قدم أحد الثقات وقال للأمير سبكتگين:
سوف يأتى دارا بن قابوس من ميدان الحرب طالبا الأمان، وسوف أذهب حتى يقدم.
وكان سبكتگين يحضر ذلك الجاسوس للقيام بالعمل ثم يتحدث مع أحد ندمائه بحيث يسمع الجاسوس حديثهما، وكان يقول: إن أبا القاسم سيمجور وفائق ودارا سوف يطلبون أماننا، وقد قبل أحدهم أن يقبض على أبى على ويسلمه إلينا، ثم يتشاغل الأمير العادل بعمل آخر، فأبلغ الجاسوس أبا على فضاق صدره، ورغبه فى الصلح بعد أن كان غير راغب فيه، وتوقع أن يأتى رسولا للصلح فلم يحضر أحد، ولما كان الصباح الباكر تبدى الخذلان فى جيش أبى على، ولم يكن هناك شك فى هزيمتهم، وظهر الغلمان والرايات من كل صوب وحدب.
وكانت الفيلة الهائجة والفرسان والمشاة من الكثرة بحيث لم يظهر سطح الأرض، وقف أبو على عاليا ونظر، وأخذ دارا الأمان فبدا لأبى على أن كلام الجاسوس صحيح، فازداد ضعفه وخوره، وتعالت أصوات الطبول والأبواق والنقاريات والدبدبات وأذناب البقر والصنجات ومرايا الفيلة والنقارين والنافخين فى الأصداف البيضاء، وتعالت أصوات الرجال، وعلا صهيل الخيول، وأظلمت الدنيا، وهبت الرياح فقذفت بالأتربة والحجارة فى الوجوه، فرحل أبو على مع جماعة من غلمانه وترك كل ما له هناك، وكانت هذه الحرب سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ودخل أمير خراسان وجيش سبكتگين فى معسكر أبى على وغنموا كل الأموال، ودخل أبو على وجيشه نيشاپور تحت جنح الظلام ، ولقب الأمير الرضى نوح الأمير سبكتگين بلقب: ناصر الدين والدولة، ثم لقب أبا القاسم محمود بن ناصر الدولة: سيف الدولة، وتوقف الأمير محمود مع الأمير نوح فى هرات حتى أتموا ما كان هناك من عمل، ومن هناك رجعوا إلى نيشاپور.
ولما رأى أبو على السيمجورى مذلة نفسه وحقارتها أتى معتذرا فلم يقبلوا عذره، ولما يئس رحل إلى گرگان. وفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة مات الصاحب أبو القاسم ابن عباد فى الرى، ورجع الأمير نوح إلى بخارى، وكان الأمير سبكتگين فى هرات وپوشنگك، والأمير محمود فى نيشاپور لترتيب الاستيلاء على تلك الناحية.
Halaman 234