سعتْ في عقالَيْها ولاحَ لعيْنها ... سنا بارقٍ وهنًا فجنُّ جنونُها
فما برحتْ حتَّى ارعوينا لصوْتِها ... وحتَّى انبرى منَّا المعينُ يعينُها
تحنُّ إلى أهلِ الحجازِ صبابةً ... وقدْ بُتَّ من أهلِ الحجازِ قرينُها
فيا ربِّ أطلقْ قيدها وجريرها ... فقدْ راعني بالمسجدَيْنِ حنينها
وقال آخر:
أزادَ اللهُ نقيكِ في السُّلامى ... علَى منْ بالحنينِ تُعوِّلينا
فلستِ وإن حننْتِ أشدَّ وجدًا ... ولكنِّي أُسرُّ وتُعلنينا
وبي مثلُ الَّذي بكِ غيرَ أنِّي ... أُجلُّ عنِ العقالِ وتُعقلينا
وقالت امرأة من دارم:
ألا أيُّها البِكرُ الأنانيُّ إنَّني ... وإيَّاكَ في كلبٍ لمُغتريانِ
تحنُّ وأبكي إنَّ ذا لبليَّةٌ ... وإنَّا علَى البلوى لمصطلحانِ
فمن يكُ لمْ يغرضْ فإنِّي وناقتي ... جميعًا إلى أهلِ الحِمى غرضانِ
تحنُّ فتُبدي ما بها من صبابةٍ ... وأُخفي الَّذي لولا المُنى لعصاني
وقال آخر:
كتموا غداةَ البينِ رحلتهُمْ ... فعرفتُها بخواطرِ القلبِ
فتبعتهُمْ وظننْتُ أنْ بعُدوا ... وإذا همُ منَّا علَى قُربِ
ما زالَ هادي الشَّوقِ يُرشدني ... حتَّى لحقْتُ بأوَّلِ الرَّكبِ
ظلَّتْ مطاياهُمْ تُلاحظنا ... ودموعُها سكْبًا علَى سكبِ
أتخالُها عشقَتْ فهنَّ إذًا ... شركاؤُنا وأبيكَ في الحبِّ
وقال الأحوص:
تذكَّرَ سُلمى بعدما حالَ دونها ... منَ النَّأيِ ما يُسلي فهلْ أنتَ صابرُ
فأنتَ إلى سُلمى تحنُّ صبابةً ... كما حنَّ أُلاَّفُ المطيِّ السَّواجرُ
وما كنتُ أدري قبلها أنَّ ذا الهوَى ... يزيدُ اشتياقًا أنْ تحنَّ الأباعرُ
ألا حبَّذا سُلمى الفؤادُ وحبَّذا ... زيارتُها لو يُستطاعُ التَّزاورُ
لقدْ بخلَتْ بالودِّ حتَّى كأنَّها ... خليلُ صفاءٍ غيَّبتْهُ المقابرُ
فإنْ أكُ قد ودَّعتُها وهجرتُها ... فما عن تقالٍ كانَ ذاكَ التَّهاجرُ
ألا ليتَ أنَّا لم نكنْ قبلُ جيرةً ... جميعًا ألا ليتَ دامَ التَّجاورُ
سيُلقى لها في الصَّدرِ من مُضمرِ الحشا ... سريرةُ ودٍّ يومَ تُبلى السَّرائرُ
وقد قالت الشُّعراء أيضًا في تفضيل ما بين حنينهِم وحنين الإبل في تشاؤمهم بها وتطيُّرهم منها أشعارًا كثيرةً فممَّا ذكروه في وصف حنينهم وحنينها.
قول ثعلبة بن أوس الكلابي:
وما عودٌ يحنُّ ببطنِ نجدٍ ... مُغالى الشَّوقِ مُضطمرٌ قليلا
إلى وادٍ تذكَّرَ عُدوتَيْهِ ... أسنَّ بهِ وكانَ بهِ فصيلا
فبدِّلَ مشربًا من ذاكَ ملحًا ... وظِمأً بعدَ قصرتهِ طويلا
يحنُّ إلى الجنائبِ هيَّجتْهُ ... ضُحيًّا أوْ هببْنَ له أصيلا
بأكثرَ غُلَّةً منِّي وجهدًا ... علَى إضماريَ الهجرَ الطَّويلا
وقال أيضًا:
وما ذو شُقَّةٍ يقضي حنينًا ... بنجدٍ كان مُغتربًا مَريعا
يمارسُ راعيًا لا لينَ فيهِ ... وقيدًا قدْ أضرَّ بهِ وجيعا
إذا ما البرقُ لاحَ لهُ سناهُ ... حجازيًّا سمعتَ لهُ سجيعا
وأنشدني أعرابي بالبادية:
خليليَّ جَمْجمتُ الهوَى وكتمتهُ ... زمانًا فقدْ أضحى بجسميَ باديا
كما جمجمَتْ وجناءُ قد طالَ حبسُها ... وأكثرَ فيها النَّاظرونَ التَّماديا
فلمَّا استبانوا ما بها جعلوا لها ... سوى مربعِ الأُلاَّفِ قيدًا وراعيا
وقال آخر:
لَعمركَ ما خوصُ العيونِ شوارقٌ ... روائمُ أظْآرٌ عطفنَ علَى سقْبِ
يُغذِّينهُ لو يستطعْنَ ارتشَفْنهُ ... إذا استفْنَهُ يزددْنَ نكبًا علَى نكبِ
بأوجدَ منِّي يومَ ولَّتْ حمولهُمْ ... وقد طلعَتْ أولى الرِّكابِ منَ النَّقْبِ
وأنشدني أعرابي ببلاد نجد:
متى تظعني يا ميُّ من دارِ جِبرتي ... أمُتْ والهوَى برحٌ علَى منْ يطالبُهْ
أكنْ مثلَ ذي الأُلاَّفِ شُدَّ وظيفهُ ... إلى يدهِ الأخرى وولَّى صواحبُهْ
تباريْنَ أظلافًا وقاربَ خطْوهُ ... عنِ الذَّودِ تفنيدًا وهنَّ حبائبُهْ
1 / 99