194
ألا تَرَينَ وقد قطَّعتني عَذَلًا ... ماذا من البعدِ بين البُخل والجُودِ ألاَّ يكن وَرقٌ يومًا أجودُ بها ... للمُعتفينَ فإنِّي ليِّنٌ عودي لن يعدم المبتغي للخير يسألني ... إما نوالي وإما حُسن مردودي وقال آخر: ومُسْتنبح قبل الهُدُوّ دعوتُهُ ... بشقراءَ مثل الفجرِ ذاك وَقودُها فقلتُ له أهلًا وسهلًا ومرحبًا ... بطارق نارٍ مُحْمد مَن يرودُها فإن شئت آويناك في الحيِّ مُكرمًا ... وإنْ شئت بلغناك أرضًا تُريدُها وقال آخر: ومُسْتنبح قال الصَّدي مثلَ قولِهِ ... رفعت له نارًا لها حطبٌ جَزْلُ وقمتُ إليه مسرعًا فكتمتُهُ ... مخافة قومي أن يفوزوا به قبلُ وداويتُهُ من سوءِ ما فعلَ الطّوي ... بتعجيل ما ضمَّ المزادة والرَّحلُ وأوسعني حمدًا وأوسعتهُ قِرًى ... فارتجْ بحمدٍ كانَ كاسبهُ الأكلُ وقال آخر: ومُسْتنبح تهوى مساقطُ رأسهِ ... إلى كلِّ شخصٍ وهو للسمع أصورُ يصفِّقُهُ أنفٌ من الريح باردٌ ... ونكباءُ ليلٍ من جُمادى وصرصرُ حبيبٌ إلى كلبِ الكريم مُناخُهُ ... بغيضٌ إلى الكوماء والكلبُ أبصَرُ خَطأتُ له ناري فأبصرَ ضوءها ... وما كانَ لولا خطأة النَّار يُبصرُ دَعَتهُ بغر اسمٍ هلمّ إلى القرى ... فأسرعَ يبوعُ الأرض والنَّار تزهَرُ فلما أضاءتْ شخصهُ قلتُ مرحبًا ... رَشَدتَ وللصَّالين بالنَّار أبشروا وقمتُ بنصل السَّيف والبرك جاهد ... لها زورةٌ والموتُ في السَّيف يُنظرُ فأغضضتُهُ الطُّولى سنامًا وخيرَها ... ولاءً وخيرُ الخير ما يُتخيَّرُ وقال آخر: أجَلَّكَ قومٌ حين صرتَ إلى الغِنَى ... وكلُّ غنيٍّ في العيونِ جليلُ وليسَ الغِنَى إلاَّ غنًى زيَّنَ الفَتَى ... عشيَّة يَقري أوْ غداة يُنيلُ وقال آخر: رمَى الفقرُ بالفتيان حتَّى كأنَّهم ... بأقطار آفاقِ البلادِ نجومُ وإن امرءًا لم يُفقرِ العام بيتَهُ ... ولم يتخدَّدْ لحمهُ للئيمُ وقال الخُريمي: وإنِّي لسهلُ الوجه للمُبتغي القِرى ... وإنَّ فنائي للقِرى لرحيبُ أُضاحكُ ضيفي قبل إنزال رَحْله ... ليُخصبَ عندي والمحلُّ جَديبُ وما الخصبُ للأضياف أن يكثر القِرى ... ولكنَّما وجهُ الكريم خصيبُ وقال الحسين بن رجاء بن أبي الضحاك: قد يصبرُ الحرُّ علَى السَّيف ... ويأنفُ الصَّبر علَى الحيفِ ويؤثر الموت علَى حالةٍ ... يَعجزُ فيها عن قِرى الضَّيفِ وقال آخر: اللَّيلُ يا غلامُ ليلٌ قرُّ ... والريحُ يا موقدُ فيها صِرُّ فأجّج النَّارَ لمن يمُرُّ ... إن جَلَبتَ ضيفًا فأنتَ حُرُّ قال علي بن الجهم في كلب أهداه إلى بعض إخوانه يوصيه به: أُوصيك خيرًا به فإنَّ ل ... هُ سجيَّةً لا أزال أحمدُها يدلُّ ضيفي عليَّ في غسق ... اللَّيل إذا النَّار نام موقدها وقال علي بن محمد العلوي: يسترسل الضَّيف في أبياتنا أُنسًا ... فليسَ يعلمُ خلقٌ أيُّنا الضَّيفُ والسَّيفُ إن قسته يومًا بنا شبهًا ... في الرَّوع لم يدْر عزمًا أيُّنا السَّيفُ قال أبو بكر محمد بن داود: وهذا أحسن ما قيل في معناه، على أن الافتخار كله عندي يقبح، وأقبحه الافتخار بالسخاء خاصة، لأن الأجمل بأهل الكرم أن تنشر عنهم فضائلهم، وأن يعترفوا هم بالتقصير على أنفسهم، فإن استقلالهم لمعروفهم الَّذي يستكثره غيرهم دلَّ على كرم طباعهم من الشحح بما صنعوا من معروف إلى غيرهم حتَّى إن ذكر مكارمهم بحضرتهم غير جميل من مادحيهم وتلقِّيهم إيَّاه بالقبول غير محمود من فعلهم. وليس يجمل الافتخار في حال من الأحوال إلاَّ بمن كفر نعمه، ونسب إلى غير ما يستحقّه، فيحسن منه حينئذٍ الاعتذار لنفسه بما ينفي عنه ما قرب به كالذي يقول: يُعيّرني بالدّين قومي وإنَّما ... دُيونيَ في أشياءَ تكسبهمْ حمدا وعلى كل حال فالافتخار بالسخاء أجمل من الافتخار بضدّه، كما افتخر الَّذي يقول في شعره: وإنَّا لنجفو الضَّيف من غير عُسرةٍ ... مخافَةَ أن يُعزى بنا فيعود

1 / 194