إذا التهبتْ في لحظِ عينيهِ غضبةٌ ... رأيتُ المنايا في النُّفوسِ تؤامرهْ
وقال الضحاك بن عقيل:
أسمراءُ إنَّ اليأسَ مُسلٍ ذوِي الهوَى ... ونأيكِ عندِي زادَ قلبِي بكمْ وجدَا
أرَى حرجًا ما نلتُ مِنْ ودِّ غيركمْ ... ونافلةً ما نلتُ مِنْ ودِّكمْ رُشدا
وقال الهذلي:
وإنِّي علَى أنْ قدْ تجشَّمتُ هجرَها ... لِما ضمَّنتني أُمُّ عمرٍو لضامنُ
يُوافيكَ منها طارقٌ كلَّ ليلةٍ ... حبيبٌ كما وافَى الغريمَ المُداينُ
وقال ابن الدمينة:
وإنِّي لأستحييكِ حتَّى كأنَّما ... عليَّ بظهرِ الغيبِ منكِ رقيبُ
حذارَ القِلَى والصَّرمِ منكِ وإنَّني ... علَى العهدِ ما داومْتِني لصليبُ
فيا حسراتِ النَّفسِ مِنْ غربةِ النَّوى ... إذا اقتسمتها نيَّةٌ وشعوبُ
ومِنْ خطراتٍ تعتريني وزفرةٍ ... لها بينَ جلدِي والعظامِ دبيبُ
أما هذا فقد أحسن في البيت الأول وبرد في البيت الثاني إذ جعل علَّته في الوفاء لها حذار قِلاها وصرمها وعلى أنه لم يرض أيضًا بذلك حتَّى جعل مداومته عليها متَّصلة بمداومتها عليه لا غير وهذه حال مفرطة الخساسة متناهية القباحة.
ولبعض أهل هذا العصر:
يا غارسَ الحبّ بينَ القلبِ والكبدِ ... هتكتَ بالهجرِ بينَ الصَّبرِ والجلدِ
إذا دعَا اليأسُ قلبِي عنكَ قالَ لهُ ... حسنُ الرَّجاءِ فلمْ يصدرْ ولم يردِ
يا مَنْ نقومُ مقامَ الموتِ فرقتهُ ... ومَنْ يحلُّ محلَّ الرُّوحِ مِنْ جسدِي
فقدْ جاوزَ الشَّوقُ بي أقصَى مراتبهِ ... فإنْ طلبتُ مزيدًا منهُ لمْ أجدِ
واللهِ لا ألفتْ نفسِي سواكَ ولوْ ... فرَّقتْ بالهجرِ بينَ الرُّوحِ والجسدِ
إنْ توفِ لي لا أردْ ما دمتُ لي بدلًا ... وإنْ تعزَّيتُ لمْ أُرِكْنَ إلى أحدِ
وقال آخر:
أهجرًا وقيدًا واشتياقًا وغربةً ... وهجرَ حبيبٍ إنَّ ذا لعظيمُ
وإنْ امرءًا دامتْ مواثيقُ عهدهِ ... علَى مثلِ ما قاسيتهُ لكريمُ
وقال معاذ ليلَى:
وللنَّفسِ ساعاتٌ تهشُّ لذكرِها ... فتحيَى وساعاتٌ لها تستَكِينُها
فإنْ تكُ ليلَى استودَعَتْني أمانةً ... فلا وأبي ليلَى إذًا لا أخونُها
وقال المؤمّل:
لسْنا بسالينَ إنْ سلَوْا أبدًا ... عنهمْ ولا صابرينَ إنْ صبرُوا
نحنُ إذًا في الجفاءِ مثلهمُ ... إذا هجرناهمُ كمَا هجرُوا
إنْ يقطعُونا فطالَما وصلُوا ... وإنْ يغيبُوا فربَّما حضرُوا
وقال البحتري
أُلامُ علَى هواكِ وليسَ عدلًا ... إذا أحببتُ مثلكِ أنْ أُلاما
أعيدِي فيَّ نظرةَ مُستثيبٍ ... توخَّى الهجرَ أوْ كرهَ الأثاما
ترَيْ كبدًا محرَّقةً وعينًا ... مؤرَّقةً وقلبًا مُستهاما
لئنْ أضحتْ محلَّتنا عِراقًا ... مشرِّقةً وحِلَّتها شآما
فلمْ أُحدثْ لها إلاَّ ودادًا ... ولمْ أزددْ بها إلاَّ غراما
وقال أيضًا
هجرتْنا عنْ غيرِ جرمٍ نوَارُ ... ولدَيْها الحاجاتُ والأوطارُ
وأقامتْ بجوِّ بِطْياسَ حتَّى ... كثُرَ اللَّيلُ دونَها والنَّهارُ
إنْ جرَى بيننا وبينكِ هجرٌ ... وتناءتْ منَّا ومنكِ الدِّيارُ
فالغليلُ الَّذي علمتِ مقيمٌ ... والدُّموعُ الَّتي عهدتِ غزارُ
وقال مجنون بني عامر:
وتعذُبُ لي مِنْ غيرِها فأعافُها ... مشاربُ فيها مقنعٌ لوْ أُريدُها
وأمنحُها أقصَى هوايَ وإنَّني ... علَى ثقةٍ مِنْ أنَّ حظِّي صدودُها
وقال نصيب:
أصدَّتْ غداةَ الجزعِ ذِي الطَّلحِ زينبُ ... تقطِّعُ منها حبلَها أمْ تقضِّبُ
وقدْ عبثتْ فيما مضَى وهيَ خلَّةٌ ... صديقٌ لنا أوْ ذاكَ ما كنتُ أحسبُ
ترَى عجبًا في غبطةٍ أنْ نزورَها ... ونحنُ بها منها أسرُّ وأعجبُ
وفي الرَّكبِ جثْماني ونفسِي رهينةٌ ... لزينبَ لمْ أذهبْ بها حينَ أذهبُ
فبانتْ ولا يُنسيكَها النَّأيُ إنَّها ... علَى نأيِها نصبٌ لقلبكَ منصبُ
وقال آخر:
حلفتُ لها بِما نحَّتْ قريشٌ ... يمينًا والسَّوانحِ يومَ جمعِ
1 / 140