56
وإن لم يصح ما ذكرنا فقد وصفنا آنفا ما قال الناس في ذلك، وإنما ذكرنا هذا ليعلم من قرأ هذا الكتاب أنا قد اجتهدنا فيما أوردناه في هذا الكتاب وغيره من كتبنا، ولم يعزب عنا فهم ما قاله الناس في سائر ما ذكرنا، وبالله التوفيق.»
57
ثم يعود للحديث عن المد والجزر السنوي الشهري الذي يحدث في البحار والمحيطات.
قال المسعودي: «والكلام في كيفية المد والجزر السنوي والقمري الذي هو الشهري، ولأية علة صار في بعض البحار أظهر وأقوى كالبحر الحبشي وبحر أوقيانس المحيط، وفي بعضها أضعف وأخفى كبحر الروم والخزري ومايطس. على أنه قد يظهر في بحر الروم مما يلي المغرب ظهورا بينا حتى إن مدينة في جزيرة من سواحل إفريقية يقال لها جربة بينها وبين البحر نحو ميل تخرج مواشيهم غدوا حين يجزر الماء وينضب فترعى ثم تروح عشيا قبل المد.»
58
ثم عاد وناقش موضوع الملك مرة أخرى، وقد كان واضحا من كلام المسعودي انتقاده الضمني لمن يحاول أن يفسر ظاهرة المد والجزر اعتمادا على الغيبيات ؛ لأن ذلك لا يجعلنا نفهم الحقيقة، وقد أراد أن يحول الأنظار والأفكار نحو التفكير العلمي، فذكر تنازع الفلاسفة حول سبب الظاهرة الفعلي، فقال ثمة جدل بينهم هل ينشأ المد من تأثير القمر أم الشمس، ويحاول أن يقدم تفسيره بذكاء ليتجنب أي صراع فكري مستقبلي مع أي شخص كان، فيشير إلى أن القمر هو المؤثر، ويقدم ذلك على أن له تأثيرا آخر على أجساد الكائنات الحية، سبق وأن ذكرها أهل العلم والطب.
قال المسعودي: «وقول بعض أهل الشرائع إن المد والجزر من فعل ملك وكله الله عز وجل بذلك في أقاصي البحار، يضع رجله أو بعض أصابعه فيها فتمتلئ فيكون المد، ثم يرفعها فيرجع الماء إلى موضعه فهو الجزر. وقول من قال منهم إن ذلك لأمور استأثر الله بغيبها لم يطلع أحدا من خلقه عليها ليعتبروا بذلك ويستدلوا على وحدانيته وعجيب حكمته، وتنازع الأوائل في ذلك من فلاسفة الأمم وحكمائهم أهو من أفعال الشمس أم من أفعال القمر عند زيادة نوره فيكون منه المد؟ أم عند نقصانه فيكون الجزر؟ على حسب ما يظهر من أفعاله عند زيادته في أبدان الحيوان من الناطقين وغيرهم من القوة وغلبة السخونة والرطوبة والكون والنمو عليها، وأن الأخلاط التي تكون في أبدان الناس كالدم والبلغم وغيرهما عند ذلك تكون في ظاهر الأبدان والعروق ويزيد ظاهر البدن بلة ورطوبة وحسنا، وأن الأبدان عند نقصان نوره تكون أضعف والبرد عليها أغلب وتكون هذه الأخلاط في غور البدن والعروق ويزداد ظاهر البدن يبسا، وذلك ظاهر عند ذوي المعرفة والعلم بالطب.»
59 (2-3) المطهر بن طاهر المقدسي
تناول المطهر بن طاهر المقدسي (توفي بعد 355ه/بعد 966م) تفسير المد والجزر لدى اليونانيين دون أن يبين لنا رأيه الخاص في الظاهرة، فيقول: «واختلفوا في المد والجزر فزعم أرسطاطاليس أن علة ذلك من الشمس؛ إذا حركت الريح فإذا ازدادت الرياح كان منها المد، وإذا نقصت كان عنها الجزر. وزعم طيماوس أن المد بانصباب الأنهار في البحر، والجزر بسكونها، وزعم بعضهم أن ذلك المد بامتلاء القمر والجزر بنقصانه.»
Halaman tidak diketahui