الباب الأول
الدراسات العملية
الفصل الأول
نظرة الحضارات القديمة إلى ظاهرة المد والجزر
مقدمة
يتمثل أحد أسرار الفيزياء في أن أي كتلة تدور حول نفسها مثل القمر أو الأرض أو الشمس تولد جاذبيتها الخاصة بها. وكلما كانت الكتلة أكبر كانت الجاذبية أقوى. وما اكتشفه إسحاق نيوتن (توفي 1727م)
I. Newton
أنه في حين تجذب قوة الجاذبية الكتل الأخرى، فإن هذه القوة تضمحل بسرعة مع اتساع المسافة. وهكذا كلما كانت الكتل أقرب من بعضها كان تأثيرها أقوى. وبناء عليه، يوجد تأثير ثلاثي متبادل بين القمر والأرض والشمس. بداية، وفي حين تدور الأرض في أثناء اليوم، تجعلها جاذبية القمر، مع ضعفها نوعا ما، تنتفخ منجذبة نحوه بنحو 2-3 سنتمترات. وليس لهذا أي تأثير ملحوظ على اليابسة، وإنما له تأثير كبير على المحيطات، وهو ما ينشأ عنه ظاهرة المد والجزر. وعندما تمر الأرض بحيث تكون تحت تأثير قوة شد القمر الجاذبة، يسحب القمر باتجاهه أي كتلة كبيرة من الماء. يظهر هذا الانتفاخ على الجانب المواجه للقمر، والجانب البعيد المقابل له على الأرض. وبينما تدور الأرض يستمر هذا الانتفاخ تحت القمر، ويولد مدا عاليا. في المقابل فإن كتلة الماء المتعامدة مع الجذب القمري المباشر تنخفض وبالتالي بعد الانتفاخ، تعود مستويات البحر إلى الانخفاض فيحدث الجزر. وهكذا يتغير مستوى البحر كل اثنتي عشرة ساعة أو نحو ذلك، ومع انتقال الانتفاخين حول الكرة الأرضية يحدث مد تام كل 12 ساعة و25 دقيقة. ويقدم المدار المتغير للقمر توقيت حدوث كل مد عال بنحو 50 دقيقة كل يوم. ولحقل جاذبية الشمس أيضا دور، ولكن نظرا لبعدها الكبير عنا فإن تأثيرها أضعف من تأثير القمر. مع ذلك، عندما يكون القمر والشمس مصطفين على خط مستقيم، وهو ما يحدث مرتين شهريا (في طوري الهلال والبدر) تولد قوة جذبهما المشتركة مدا عاليا جدا يطلق عليه اسم المد الربيعي
Spring tide . وعندما يحدث العكس أي عندما يكون القمر والشمس على طول ضلعي زاوية قائمة نحصل على جزر منخفض جدا، أو جزر محاقي
Neap tide ، خلال تربيع القمر. وقد تمحورت العديد من الأحداث التاريخية بالغة الأهمية حول مواقيت المد والجزر، خصوصا في فترات ازدهار السفن الشراعية. ومن الأمثلة على ذلك مطاردة البحرية الإنكليزية للأرمادا أو الأسطول الإسباني في سنة 1588م وتدميره بإرسال سفن مشتعلة مع المد. كما أن المد الربيعي يكون في أعلى مستوى له في الحضيض القمري، ويقال إنه ساهم في غرق سفينة تايتانيك في سنة 1912م. فقبل بضعة شهور من اصطدام تايتانيك بجبل جليدي، أدى مد ربيعي عال بصورة استثنائية إلى انفصال جبال جليدية هائلة عن جزيرة جرينلاند. وفي الأحوال العادية، لا يشكل مثل هذا الجبل الجليدي الهائل خطرا على السفن العابرة؛ لأنه يكون قد ذاب قبل أن يطفو منجرفا نحو الجنوب ويصل إلى خط العرض الذي حصل فيه الاصطدام الشهير.
Halaman tidak diketahui