لقد كرس بوسيدونوس جزءا من أعماله المكتوبة لمراجعة المعرفة المدية في زمنه. للأسف لم يعد عمل بوسيدونوس محفوظا بل اقتبسه سترابو في كتابه الرائع الجغرافية
Geographika . وقد ظهر هذا الكتاب في سنة 23 للميلاد وهنا بإمكاننا أن نقرأ نص بوسيدونوس الموجود عن النظرية المدية: «عندما يرتفع القمر فوق الأفق إلى حد الإشارة البرجية (30 درجة)، يبدأ البحر بالانتفاخ، ويعزى بشكل ملحوظ إلى كون القمر في خط الطول؛ لكن عندما بدأ الجرم السماوي بالانحسار، تراجع البحر ثانية، رويدا رويدا، ومن ثم غمر اليابسة مرة أخرى حتى وصل القمر إلى خط الطول أسفل الأرض ... يصبح الفيض والغيض أكبر حوالي مرة من الاقتران (قمر جديد)، ومن ثم يتناهى إلى أن يصبح نصف القمر؛ ومرة ثانية، يزدادان في حالة البدر ويتناهيان ثانية حتى محاق نصف القمر. وإذا كان القمر في الحالات الاعتدالية (الميل صفر)، فإن سلوك المد والجزر يكون منتظما، إنما في حالات الذروة الشمسية (أقصى الميل)، غير المنتظم، بالنسبة إلى الكمية وإلى السرعة، فإن العلاقة تكون متناسبة مع النقطة الأقرب لاقتراب القمر.» وقد كتب سترابو مضيفا: «يوجد ينبوع في «معبد هيراكليوم» في قادس، وقد كان يظهر الماء (الجيد للشرب) بشكل مفاجئ لخطوات قليلة، ويتصرف الينبوع بشكل عكسي مع تدفق وجريان البحر، حيث يفرغ في كل مرة من المد الفيضي ويملأ في كل مرة مع انحسار الجزر.» هذا الموضوع عن المد والجزر المعكوسين في البئر هو موضوع مهم؛ لأنه يمثل في الواقع الملاحظات الأولى للمد الأرضي (أي على شكل بقع مدية). مع أن الظاهرة في البئر كانت معروفة لفترة طويلة من الزمن إلا أنه يظهر أن بوسيدونوس كان أول عالم يدرسها في أثناء سفراته العلمية المذكورة آنفا إلى إسبانيا. في حين أن بوسيدونوس يقر بأن «الجزر» يحدث في زمن معين من تدفق البئر. إلا أنه لم يعتقد حقا بأنه كان لديه أي شيء يتعلق بالمد والجزر. على كل، ناقش سترابون المشكلة بالتفصيل، ووصل إلى استنتاج بأن الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة مدية بعض الشيء.
45
ظاهرة المد والجزر التي تظهر في الآبار ستعود للظهور مرة أخرى من خلال محمد بن حوقل البغدادي الموصلي (توفي بعد 367ه/بعد 977م) وكيف قام بالتحقق منها والرد على الخرافات المتعلقة بها.
46
التفسيرات التي وردت أعلاه عند بوسيدونوس عن التفاوتات اليومية (مرتين يوميا) والشهرية (مرتين شهريا) هي صحيحة تماما. ربما يفترض أحدنا أن «فعل المدة والسرعة» كان يعني بها بوسيدونوس أو سترابو ازدياد المستوى العالي وسرعة تعاقب المياه عالية «المد»، وبالتالي فإن «السرعة» هي أكبر بقليل عند المد والجزر الربيعي. غير أن تفسير التفاوت السنوي خطأ بشكل ملفت؛ لأننا نعلم حديثا، أنه في أي نظام مد نصف يومي يصل المد والجزر في الربيع إلى مستويات هي «الأعلى» حوالي الاعتدالين تقريبا وإلى المستويات هي «الأدنى» عند الانقلابين.
47
نخلص مما سبق إلى أن بوسيدونوس تمكن من المساهمة في نظرية تقدم تفسيرا لحركات المد والجزر على أساس الجذب المشترك لكل من الشمس والقمر، وتمكن من خلالها أيضا من تفسير سبب نشوء حركة أعلى المد وحركة أخفض المد.
48
كما لاحظ بوسيدونوس وعرف بشكل صحيح الأسباب العامة الكامنة وراء ظاهرة المد والجزر في البحار، وكيف تؤثر المقابلة والاقتران بين الأرض والقمر والشمس على هذه الظاهرة.
Halaman tidak diketahui