ثم قال لنفسه: «أما وقد لقيت هذا الجموح القاسي من هذه الفتاة التي نشأت في القصر، فسأتخذ لي زوجا من بيئات الشعب.» فاختار أزورا، وهي أحكم بنات المدينة وأحسنهن مولدا، فاقترن بها وعاش معها شهرا ملؤه العطف والحنان، ولكنه لاحظ فيها شيئا من خفة، وميلا شديدا إلى اعتقاد أن أعظم الشبان حظا من الجمال هم أصحاب الحظ العظيم من الفضيلة والذكاء.
الفصل الثاني
الأنف
وذات يوم أقبلت أزورا من نزهتها غاضبة ثائرة صاخبة، قال لها: «ما بك يا زوجي العزيزة؟ وما عسى أن يخرجك من طورك إلى هذا الحد؟» قالت: «وا حسرتاه! لو رأيت المنظر الذي رأيته لهاجك ما يهيجني من الغضب؛ لقد ذهبت أعزي الأرملة الشابة خسرو التي أقامت منذ يومين اثنين قبرا لزوجها الشاب، وقد عاهدت الآلهة أثناء حزنها على أن تقيم على هذا القبر ما جرى ماء هذا الجدول قريبا منه.» قال زديج: «هذه امرأة كريمة، قد أحبت زوجها حقا.» قالت أزورا: «آه لو عرفت ما كان يشغلها حين زرتها!» «ماذا كان يشغلها أي أزورا الحسناء؟» «كانت تحول الجدول من مجراه.» ثم اندفعت في لوم طويل وهجاء عنيف حتى ضاق زديج بهذه الفضيلة المتكلفة.
وكان له صديق اسمه كادور، وكان من بين هؤلاء الشبان الذين كانت أزورا تؤثرهم لأنهم على حظ عظيم من الأمانة والكفاية، فأظهره على جلية أمره، واستوثق من وفائه بما أهدى إليه من هدايا قيمة، ومضت أزورا لتنفق عند إحدى صديقاتها في الريف يومين، ثم عادت في اليوم الثالث إلى دارها، وهنالك أعلن إليها الخدم وهم ينتحبون أن زوجها قد مات فجأة من ليلته تلك، وأنهم لم يجرءوا على أن يحملوا إليها نبأ الفاجعة حين كانت تستجم، وأنهم قد فرغوا الآن من دفن زديج في قبر أسرته هناك في طرف الحديقة، فأجهشت بالبكاء وانتزعت شعرها، وأقسمت لتقضين على نفسها بالموت، فلما كان المساء استأذنها كادور في أن يتحدث إليها فبكيا معا، فلما كان الغد بكيا أقل مما بكيا أمس، وجلسا معا إلى الغداء، وأسر إليها كادور أن صديقه أوصى إليه بمعظم ثروته، ثم لمح لها بأنه يرى السعادة في أن يقاسمها ثروته، هنالك بكت السيدة ثم غضبت، ثم لانت، وكان العشاء أطول من الغداء، وكان الحديث أدنى إلى الثقة، وأثنت أزورا على الفقيد، ولكنها اعترفت بأنه لم يخل من بعض العيوب التي برئ منها كادور.
وفي أثناء العشاء شكا كادور ألما عنيفا في الطحال، فقلقت السيدة واهتمت، وأحضرت كل ما كان عندها من طيب؛ لعلها تجد من بينه ما يكون فيه شفاء للطحال، وأسفت أشد الأسف لأن هرمس العظيم لم يطل الإقامة في بابل، بل تفضلت فلمست موضع الألم من جسم كادور، قالت له في عطف: «أعرضة أنت لهذا الألم؟» قال كادور: «إنه ألم يدنيني غالبا من القبر، وليس له فيما علمت إلا دواء واحد يستطيع أن يرفه علي، وهو أن يوضع على جنبي أنف رجل مات من أمسه.» قالت أزورا: «يا له من دواء غريب.» قال كادور: «ليس أغرب من تمائم السيد أرنو
1
التي يعالج بها الفالج.» وكان هذا الرد مضافا إلى كفاية هذا الفتى مقنعا آخر الأمر للسيدة. قالت: «وأخيرا إذا عبر زوجي من حياة أمس إلى حياة غد على جسر تشينافار فلن يرده الملك عزرائيل عن العبور؛ لأن أنفه أقصر قليلا في حياته الثانية منه في حياته الأولى.»
ثم أخذت موسى ومضت إلى قبر زوجها فسقته بدمعها، ثم دنت تريد أن تجدع أنف زديج الذي رأته مستلقيا في قبره، هنالك ينهض زديج حاميا أنفه بإحدى يديه رادا الموسى باليد الأخرى قائلا: «سيدتي، لا تلومي الأرملة خسرو، فالتفكير في جدع أنفي كالتفكير في تحويل الجدول عن مجراه.»
الفصل الثالث
Halaman tidak diketahui