ولو أنك أردت أن تطلق على كاتب حديث لقب الشارح، لكان «ديورانت» صاحب هذا الكتاب أحق الناس به غير مدافع؛ لأنه يحسن الفهم والشرح والتلخيص على نحو نادر بين كتاب الفلسفة، فيقبل القراء على كتبه بالألوف وعشرات الألوف، وربما بلغوا مئات الألوف إذا صدقنا إعلانات الناشرين، وهل تراهم يكذبون على عمال الضرائب إن كذبوا على القراء والنقاد؟!
وقد طبع أحد كتبه «قصة الفلسفة» في طبعة جيبية، فراج رواج القصص الغرامية أو البوليسية، وفتح الأبواب لرواج الكتب المنوعة من هذا القبيل.
وأحسن الدكتور الأهواني ترجمة الكتاب في معانيه ومدلولاته، وواجه مشكلة المصطلحات بأمانة مشكورة؛ لأنه شفع الاصطلاح المترجم بالأصل الإنجليزي، فمن رجع إلى الأصل لم يفته المعنى المقصود، وقد يحاول المترجم محاولة ناجحة للتعديل والملاحظة والوصول إلى المصطلح المتفق عليه.
ونحن نبدأ من البداءة باسم الكتاب أو باسميه، وهما الاسم الأول في طبعته الخاصة والاسم الثاني في طبعته العامة أو الشعبية.
فالاسم الأول
Mansions of Philosophy
ترجمة الدكتور الأهواني بقصور الفلسفة، ونحن نفضل كلمة الصروح على كلمة القصور في هذا المعنى؛ لأننا ألفنا في التعبيرات العربية أن نستعير الصروح للمعاني المفهومة وللمباني المحسوسة، فلا يندر في لغتنا أن يقال «بنينا «صروح» المجد أو صروح العلم أو صروح الأخلاق»، ولكننا لا نقول قصور المجد أو قصور العلم أو قصور الأخلاق، وهذا فضلا عن التباس القصور بالتقصير والعجز؛ إذ يسبق إلى ظن القارئ أن المقصود بقصور الفلسفة عجزها أو تقصيرها عن المطلوب منها.
والاسم الثاني
يغري بكلمة «المسرات» ترجمة له لأول وهلة، ولكن الدكتور الأهواني أحسن بالعدول عن هذه الكلمة؛ لأنها قريبة إلى الحسيات، وأحسن كذلك بالعدول عن كلمة «اللذات»؛ لأنها قريبة إلى الشهوات، وفضل عليهما كلمة «مباهج الفلسفة»، وهي في الحق أفضل منهما لولا أنها أقوى من المعنى المقصود بها حين تنسب إلى الفلسفة على الخصوص، فإننا نطمع كثيرا إذا انتظرنا من الفلسفة أن «تبهجنا» ولم نقنع منها بما دون ذلك، وعندنا أن «متعة الفلسفة» أو «متع الفلسفة» أقرب إلى تصوير الارتياح المعقول من المطالعة الفلسفية، وليس بالجديد في كتبنا العربية أن نذكر المتعة والإمتاع في الموضوعات التاريخية والدينية والأدبية، فإن كتاب «إمتاع الأسماع» للمقريزي موضوع في أخبار النبي - عليه السلام.
وهنا وهناك كلمات نلاحظ عليها أنها لا تطابق معناها كل المطابقة، ومنها أن المترجم نقل كلمة الأسباب الرديئة أو السيئة فسماها الباطلة (ص16) ولا يلزم من السبب الرديء أن يكون باطلا، وإنما يلزم منه أنه غير مستحسن وكفى، ونذكر لهذه المناسبة أن موظفا - لبقا - غاب عن مكتبه يوما وسأله رئيسه عن سبب غيابه فقال له: إن السبب الصحيح هو السكر والعربدة والتأخر في النوم إلى ما بعد ميعاد الدواوين، ولكنه سبب رديء وإن يكن هو السبب الصحيح.
Halaman tidak diketahui