إنني لا أتخيل أن السيد المسيح كانت له ملامح العبرانيين النموذجية؛ لأنه لو كان كذلك لما أنكر أحوال العبرانيين في زمانه، وعلى الوجوه لا بد أن تظهر عوارض النفوس.
ولا أتخيل أنه كان طغاوة من الأشعة؛ لأن من كان كذلك لا يقلب موائد الصيارفة في الهيكل، ولا يقول إنه يلقي السيف كما يلقي السلام.
ولا أتخيل أنه حيوية جسدية ولا أنه ظلال روحية، ولكنني أتخيل أنه «حماسة في وداعة»، تلفت النظر بالطيبة والقوة بعد نظرات طويلة ، ولا أقول بعد نظرة واحدة.
أما الصور القلائل التي أقول إنني ارتضيتها بين نحو مائة صورة فهي: صورته في العشاء الرباني، من عمل ليونارد دافنشي؛ وصورته مع الأطفال، لكل من بلوكهورست وكوبنج؛ وصورته وهو يتلقى قبلة يهودا الأسخريوطي، لجاسبر جيجر؛ وصورته أمام ببلاطس الحاكم الروماني، لمنكاشي. وكلها تمثل السيد المسيح مع آخرين ولا تمثله على انفراد، وهذه «نقطة» مهمة يجب الالتفات إليها؛ لفهم الإيحاء الذي يستعين به المصورون من طريق المقابلة أو المناقضة.
فيكفي أن يتخيل المصور منظر الخيانة في يهودا ليحسن التخيل حين يتصور نقيضها، مع الفارق في العظمة والطهارة.
ويكفي أن يتخيل المصور براءة الأطفال الشاعرين بالعطف الذي يحيط بهم ليرسم صورة الأبوة العاطفة، ويعطيها مسحة الأبوة الروحية.
ويكفي أن يتخيل مناظر السلطان الدنيوي أو الكهنوتي في حضرة بيلاطس والكهنة اليهود، ليتخيل ما يقابل هذا السلطان الدنيوي من سلطان الروح وسماحة التسليم.
وعلى هذا كله لا أشعر أنني رأيت أمامي صورا تستجيب لكل ما في النفس من جو الشعور بحضرة السيد المسيح.
أما تمثيل المسرح واللوحة البيضاء للسيد المسيح، ففي وسعي أن أقول إنني لا أذكر هيئة واحدة تطابق الشخصية المسيحية في حركاتها وسكونها وكلامها وصمتها وغيرتها وحزنها وأعمالها المتعاقبة في سائر أوقاتها، ولا شك أن هذا التمثيل أصعب جدا من تخيل المسيح في هيئة واحدة يؤديها التصوير.
فالسؤال: هل يجوز؟ يسبقه السؤال: هل يمكن؟ ولا يتسرع القائل بالإمكان إلا إذا كان الحس الظاهر أغلب على نفسه من صور الوجدان كما يتمثل في ملايين النفوس.
Halaman tidak diketahui