ثم نقول؛ «ليس من حسن السياسة ولا مما يوافق الدولة أن تفسر شعوبها على الاندماج في بنيتها قوة وغضبا، والعقل العصري لا يفهم من معنى الإخلاص أن يتقيد الشعب بالولاء لحكومة تحكمه لمصلحتها لا لمصلحته.»
سياسة الأحلاف
وأخوف ما كنا نخافه على أمم الشرق منذ ذلك الحين، سياسة الأحلاف بين المعسكرين، فكتبنا في ذلك المقال قبل نيف وأربعين سنة: «إن المحالفة لا تؤكد للدولة إلا عداوة من تخالفه، ثم إنها لا تكفل لها صداقة من تحالفه ... وليعلم العثمانيون أن تلك الدول لا تعضدهم ولا تتخلى عنهم إلا لمصلحتها، فإن عن لها وجه المصلحة في تأييدهم نصرتهم سواء كانت معهم أو عليهم ، أو عن لها وجه المصلحة في التخلي عنهم خذلتهم؛ سيان المحالف منها والمخالف، فخير للدولة أن تدير شراعها مع كل ريح من أن تتقيد بريح واحدة، وأنفع لها أن تكسب عطف الرأي العام في أوربا كلها من أن تكسب الود الظاهر من بعض حكوماتها.»
كتبنا هذا ووددنا لو تعول الدولة العثمانية على منبتها في الشرق قبل أن ينهض مصطفى كمال لتعمير آسيا الصغرى، وقبل أن يتخذ العاصمة الحكومية في أنقرة بثماني سنوات.
وكل ما نتمناه لمن ينظرون تحت أقدامهم ولا ينظرون إلى أمامهم، أن يبقوا بعد انتقادهم واعتراضهم، بضع سنوات على الدوام، فيروا بأعينهم أن مثالب الانتقاد والاعتراض ترتد إليهم ولا تصيبنا بشرار ولا دخان، فهم على خطر من روادع الزمن يحسبون أنهم على هدى وصواب.
خمسون سنة إلى الأمام
والآن وقد مضت خمسون سنة بين النصر والهزيمة والغرور والندم والعظة والنسيان، يستطيع الناظر إلى الماضي أن يقول عن يقين إن اليابان قد ضلت الطريق، وإنها سلكت على الطريق الخطأ، واغترت بمظاهر الوجاهة الكاذبة، فضيعت في سبيلها مصلحتها الحقيقية، وأنفقت ملايين الملايين من الأموال على عدة الحرب التي تتغلب بها على جيرانها، فلم تربح من هذه النفقات ما يساوي عشر معشارها، ولم تكن لتربح شيئا يذكر إلى جانب الخسارة لو أنها مضت في طريقها ولم تنقطع بها الهزيمة في وسط الطريق.
واليابان اليوم ضعيفة مفتقرة إلى العون، ولكنها لا تبقى على هذه الحال، ولا بد لها من عودة إلى القوة والثروة، فإذا عادت وجدت إلى جانبها في آسيا دولا كبارا تقوم بين أمم كبار، لا مطمع فيها لطامع من المشرق ولا من المغرب إلا على غرر وأخطار.
ستجد الصين ذات الملايين التي تزيد على أربعمائة، وتجد الهند ذات الملايين التي تقارب الأربعمائة، وتجد الباكستان وعدتها نحو مائة مليون، وأندونيسيا وهي في قرابة هذا العدد، وإلى جوانبها أمم لا تضارعها في الكثرة، ولكنها تضارعها في العراقة والاعتزاز بالحرية والكرامة.
فإذا كان للماضي عظاته النافعة، فأكبر العظات أن تتعلم الأمم الآسيوية الكبرى أنها مسئولة عن سلامة القارة كلها، وإلا جنت على نفسها وعبثت بسلامتها، ونكصت على عقبيها ولم تنتفع بتقدمها ونهوضها إلى مرتبة الدول الغربية العظمى.
Halaman tidak diketahui