أن المجتهدين الكبار أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي اجتهدوا، وهم أنفسهم لم يغلقوا باب الاجتهاد وراءهم، بل رأوا أنهم قد يخطئون في اجتهادهم؛ كما قال الشافعي - رضي الله عنه - وإنما أغلق باب الاجتهاد من هم أقل منهم شأنا، وأضعف شجاعة، ولو كان إغلاق باب الاجتهاد دينا لأغلقوه هم ومنعوا غيرهم.
ثامنا:
أننا إذا نظرنا إلى ما بيننا من قوانين مدنية رأيناها تتغير بتغير العصور؛ لأن هذا التغير من طبيعة القانون ومن طبيعة الحياة الاجتماعية، والله - تعالى - العالم بما يحدث في الأزمان المختلفة لم يشأ أن يقرر للنبي
صلى الله عليه وسلم
حكم المستقبل في جزئيات؛ لأن قيمة الحكم تابعة لعصره، فإذا لم يوافق العصر كان نابيا ولو كان صحيحا.
هذا وقد قسم الأصوليون الاجتهاد إلى ثلاثة أنواع: اجتهاد مطلق كالذي فعله أبو حنيفة والشافعي، واجتهاد مذهب وهو تطبيق قواعد المذهب على المسائل الجزئية، واجتهاد مسألة وهو تطبيق مسألة جزئية لا مسائل عامة على مذهب من المذاهب.
والذي ينفعنا الآن وندعو إليه هو الاجتهاد المطلق؛ لأنه هو الذي نستطيع به أن نواجه هذه المسائل. ولسنا من دعاة الاجتهاد لكل فرد، إنما ندعو إلى الاجتهاد ممن قدر عليه واستكمل شروطه، وأهمها معرفة روح الإسلام وما يرتضيه وما يرفضه.
ومن طريف ما في تاريخ الإسلام أن وظيفة الحسبة، وكان القائم بها من العلم والقدرة بحيث يمنع المتعرض لشيء لا يتقنه من عمله، كأن يحجر على طبيب لم يتعلم صناعته كما ينبغي، واليوم تقوم وزارة الداخلية بهذا العمل فيمكنها أن تكف يد من أراد الاجتهاد ولم تتوافر له أدواته.
إن نظرة المسلمين إلى العالم الأوروبي على أنه مثال الكمال نظرة خاطئة تبعث في النفس اليأس والحنق، وإنه وإن كان في المدنية الشرقية عيوب ففي المدنية الغربية عيوب، وإن كان العالم الشرقي ينقصه العلم والصناعة فإن العالم الأوروبي ينقصه الروح، والمدنية الصحيحة هي التي تؤسس على عناصر ثلاثة: رفع لقيمة الفرد وعمله في المجتمع، وبناء الحياة على ما يقتضيه العلم، وإحياء القلب بالشعور بالخير للإنسانية. وفقدان هذه العناصر الثلاثة أو بعضها هو الذي سبب هذه الحروب الفظيعة المتتالية، وقد كان قادة الأوروبيين يقولون بهذه العناصر الثلاثة على أنها المثل الأعلى للجمعية البشرية، ولكن عيبها كان أنها لم تستند إلى وحي يقدسها ويجعل الناس يطيعونها ففقدت روحها، وعلى العكس من ذلك كان الإسلام؛ إذ سند هذه المبادئ بالوحي من الله، وما يستتبع ذلك من تقديس. إن المسلمين اليوم مطالبون بأن يحاربوا ما عندهم من مركب النقص، فليس ما عندهم أقل مما عند غيرهم، وفي استطاعتهم أن يواجهوا الزمان والمشاكل التي تعتريهم بروح إسلامية قوية وحماسة نارية؛ فيستردوا مكانتهم ويستطيعوا أن يبنوا مع البانين.
بل إن رسول الله
Halaman tidak diketahui