وبعد ذلك يأتي الحج، وهو اجتماع جماعة عظيمة في مكان واحد وزمان واحد يذكرون حال المنعم عليهم، ويتداولون فيما بينهم مشاكلهم، وكيفية تعاونهم فيستفيدون ويفيدون، خصوصا وأن اجتماع المسلمين في صلاة الجمعة أو صلاة العيدين غير كاف لتحقيق هذه الفضيلة على أكمل وجه.
هذه أهم الفرائض التي أتى بها الإسلام، وبعض الشرائع لإصلاح الفرد كالصلاة الفردية، وبعضها لإصلاح المجتمع كالزكاة والصوم والحج، وفي كل خير ، وليست لهذه الأعمال قيمة إلا إذا مست القلب وهزته، وربطت بحبال متينة بين القلب وبين الله، وبين القلب وبين الناس، فإذا تم للمرء صحة عقيدته وإقامة الشعائر التي شرحنا؛ تم إسلامه وإلا كان بناء مبنيا على ركن دون ركن.
ومن مبدأ الإسلام أن الأعمال الصالحة ما لم تستند على إيمان بالله ورسله فلا قيمة لها؛ ولذلك لما سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عدي بن حاتم عن أبيه قال: إنه في النار؛ لأنه وإن أتى بفضيلة كفضيلة الكرم، وأنقذ الموءودة من الموت فإن أعماله الطيبة هذه لم تصدر عن إيمان بالله ولا عن حسن نية. وقد علق الإسلام أهمية كبرى على نية العمل؛ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات» وقال في موقف آخر: «نية المرء خير من عمله.» كذلك إذا اعتقد العقائد الصحيحة، ولم يشفعها بعمل صالح كانت عقائد في الهواء لا قيمة لها إذ لم تدعمها الأعمال الصالحة، فالإسلام دائما يربط بين العقيدة والعمل:
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا
وهكذا. •••
ووضع الإسلام نظاما للحكم ليس بالحكم الأرستقراطي، ولا الديموقراطي، ولا الشيوعي حتى، ولا الثيوقراطي، فالثيوقراطية نظام الحكم فيها ديني، ينفذ القائم على رأسها تعاليم إلهية معينة، ليس مسئولا عنها الحاكم إلا أمام الله وليس مسئولا أمام الشعب، والإرادة الإلهية هي التي اختارت من بين الناس ملكا عليهم إما مباشرة أو بواسطة اختيار أفراد. وتسمى النظرية الثانية نظرية العناية الإلهية. وعلى كلا الأمرين فالملك مؤيد بروح من عند الله الذي اختاره، وعهد إليه بمراعاة صالح الشعب المملك عليه. وهذا الملك محاسب أمام الله فقط لا أمام الشعب، وعلى هذا قال لويس الخامس عشر في مرسوم أصدره عام 1770: «إننا تلقينا التاج من الله، وسلطة عمل القوانين من اختصاصنا وحدنا، دون تبعية أو توزيع.»
وقال غليوم ملك ألمانيا في عام 1916: «إن الملك يستمد سلطانه من الله، ولا يقدم حسابه إلا إليه، وإنني على هذا المبدأ أضع سياستي وأعمالي.»
Halaman tidak diketahui