الثالث:
إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه بدون ذكر الأدلة.
وقد أثبتت التجارب أن الحرب سنة من سنن الاجتماع البشري، وأثر لسنة تنازع البقاء، وتعارض المصالح والمنافع والأهواء، بل هي سنة من سنن بعض الحشرات التي تعيش عيشة التعاون والاجتماع كالنمل، فهو يغزو ويبيد ويسترق ويستخدم رقيقه في خدمته وترفيه معيشته. ويدل التاريخ أيضا على أن شعوب أوروبا أشد البشر ضراوة وقسوة في الحرب في أطوار حياتهم كلها من همجية ووثنية ونصرانية وصليبية ومدنية مادية. ومن علمائهم وفلاسفتهم من يرى منافع الحرب أكبر من مضارها، ولا تزال جميع دولهم تنفق على الاستعداد لها فوق ما تنفق على غيرها من مصالح الدولة والأمة، وترهق شعوبها بالضرائب الكثيرة، فإذا لم تجد استدانت.
وقد كان من تعاليم الإسلام منع جعل الحرب للإكراه على الدين، أو للإبادة، أو للاستعباد الشخصي أو القومي، أو لسلب ثروة الأمم والتمتع بالشهوات، ومنع استعمال القسوة في الحروب كالتمثيل بالأعداء، ومنع قتل من لا يقاتل كالنساء والأطفال والعباد، ومنع التخريب والتدمير الذي لا ضرورة له.
ومع هذا قال بعض الأوروبيين: «إن الإسلام لم يمتد بهذه السرعة إلا بالسيف؛ فقد فتح المسلمون ديار غيرهم والقرآن بإحدى اليدين والسيف بالأخرى.» وهو خطأ واضح؛ فهم لم يستعملوا السيف إلا دفاعا عن أنفسهم، وكفا للعدوان عليهم، ثم توسعوا في الفتح بحكم نشر الدعوة.
ثم ذهب جماهير الفقهاء إلى أن القتال لدفع الأعداء وصد الاعتداء على الدين أوالوطن فرض عين، ويجب على المسلمين إذا فقد بلد من بلاد الإسلام أن يستعدوا لاستعادته مهما كلفهم ذلك من نفوس وأموال إلى أن يظفروا بذلك، وإذا أعلن الإمام النفير العام وجب على كل فرد أن يطيعه بما يقدر عليه من نفس أو مال كما تقدم، ويجب طاعته فيما دون ذلك بالأولى.
وقد سمى فقهاء المسلمين كل البلاد التي فتحها المسلون، ويجب عليهم دفع العدوان عنها دار الإسلام وما عداها دار الحرب.
ووضع الإسلام أسسا للنظام الاجتماعي، ووضع أساسا لذلك عقيدة أن كل شيء في السماء أو في الأرض إنما خلق للإنسان:
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ،
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ،
Halaman tidak diketahui