فأشفق على الجميع، ورغب في أن يرفعهم إلى ملء قامته ويحمل أثقالهم. أجل، فقد تمنى كثيرا لو يتكئ ضعفاؤهم على ذراع قوته.
لم يكن شديد الوطأة في حكمه على الكذاب أو اللص أو القاتل، ولكنه قضى قضاء مبرما على المرائين الذين يبرقعون وجوههم ويغطون أيديهم.
كثيرا ما وقفت مفكرا في ذلك القلب الذي كان يقتبل جميع القادمين من صحراء الحياة إلى مقدسه العظيم فيهبهم راحة وملجأ، ولم يغلق بابه إلا في وجه المرائين فقط.
حدث مرة فيما نحن جالسون معه في بستان الرمان أنني قلت له: يا معلم، أنت تصفح عن الخطأة، وتعزي جميع الضعفاء والسقماء، ولا ترفض إلا المرائين.
فقال لي: قد وضعت كلماتك في مواضعها عندما دعوت الخطأة ضعفاء وسقماء. نعم أنا أصفح عن ضعف أجسادهم وسقم أرواحهم؛ لأن قصورهم عن القيام بواجبهم قد وضع حملا على أكتافهم إما من آبائهم أو من جيرانهم.
غير أنني لا أحتمل المرائين؛ لأنهم يضعون النير الثقيل على رقاب المخلصين والطائعين.
أما الضعفاء الذين تسميهم خطأة، فهم كالفراخ التي لا ريش لها الساقطة من العش، ولكن المرائي نسر جالس على صخرة يتوقع فريسة بريئة لينقض عليها.
الضعفاء هم رجال ونساء ضائعون في الصحراء، ولكن المرائي غير ضائع، فهو يعرف الطريق ولكنه يضحك بين الرمال والرياح.
لأجل هذا لا أقبل المرائين في شركتي.
هكذا تكلم معلمنا، فلم أفهم معنى كلامه في ذلك الوقت ولكنني أفهم اليوم.
Halaman tidak diketahui