Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genre-genre
وسنعقد في فصول هذا الكتاب مقارنة سريعة بين العربية واللغات الحية الأخرى؛ لنتبين صدق هذه الحقيقة، وسنشعر من هذه المقارنة بين العربية بقواعدها الجامدة مع اللغات الأخرى التي تستخدمها الشعوب المتقدمة، أننا كمن يمتطي جمالا بالطريق السريع، في الوقت الذي يركب فيه غيرنا سيارات تنقلهم بأقصى سرعة إلى ساحات التقدم. فتحصيل العلم من أجل تطبيقه لنفع الإنسان أصبح الشغل الشاغل للمجتمعات المتحضرة. لم يعد هناك فراغ يجعل الناس تستلذ صعوبة القواعد وتعقيد الكلمات كما هو الحال عندنا ، حيث ينتشي البعض وتنتفخ أوداجهم سرورا عندما يصححون خطأ لغويا، ويتلون قاعدة متقعرة، لا قيمة لها إلا أنها من وضع النحاة الأقدمين.
هذا في حين أن المجتمعات المتقدمة في صراع مع الزمن، وليست على استعداد لإضاعة وقتها الثمين في الكلمات الرنانة الفارغة من أي محتوى، وفي القواعد المعقدة والجناس والطباق والمقابلة والاستعارة المكنية وغير المكنية، وما شابه ذلك من محسنات بديعية. حتى الأدب العالمي أصبح يعتمد على المعنى والمضمون وليس على زخرف اللغة والتلاعب بالألفاظ.
وسوف نتعرض أيضا بمعيار العقل إلى قضية حساسة هي علاقة اللغة بالدين، وهل العربية لغة «توقيفية» أي هابطة من السماء، كما يريد البعض، أم لغة «اصطلاحية»، أي من صنع الإنسان، كما يريد المنطق؟ مع أن الكل يعلم أن العربية نشأت واستوت كمنظومة لغوية متكاملة في العصر الجاهلي، فهي إذن تنتمي، كلغة، إلى العصر الجاهلي، لكن الله سبحانه وتعالى تخيرها لتنزيل رسالته إلى البشر، فسما بها إلى أعلى مراتب الإعجاز. •••
وفي كتاب «الداء العربي» حاولت أن أضع أصابعي على بعض أسباب تخلف العالم العربي عن ركب الحضارة العالمي، ورصدت فيه ثلاثة محاور أساسية هي: «الفكر القبلي» و«ثقافة الأذن» و«حضارة اليقين»، وكنت أنوي أن أخصص فصلا عن اللغة بعنوان «رسالة إلى حراس الضاد» أشدد فيه على ضرورة الثورة على قواعد اللغة التي لم تعد تواكب زماننا، فأنا أعتبر أن اللغة هي أحد عناصر تخلف العالم العربي، وأن تحجر البعض في تناول قضية اللغة من أسباب عملية إجهاض النهضة الذي قمت بتحليله في كتاب «الداء العربي»، لكنني وجدت أن قضية اللغة أكبر من أن تعرض في فصل داخل كتاب؛ فهي في حاجة إلى مؤلف مستقل يحلل الظاهرة ويحيط بها من جوانبها المختلفة.
ويأتي هذا الكتاب تكملة لما سعيت إليه في «الداء العربي»، فقد آن الأوان أن ندرك أن اللغة أصبحت إحدى العقبات في سبيل انطلاق العقل العربي، وآن الأوان أن نقول هذا الكلام بشجاعة في وجه من يريدون الحجر على عقولنا وترويع كل من ينادي بالتحديث . •••
وبعيد عن ذهني تماما هجر اللغة العربية لحساب اللهجات العامية، أو استخدام الحروف اللاتينية، وما شابه ذلك من اقتراحات طرحها بعض الذين أدركوا نكوص الفصحى عن التعبير عن واقعنا الحالي، فالذين يدعون إلى وأد العربية لا يدركون تبعات مطلبهم، فاللغة العربية أنتجت بعضا من أهم الإبداعات الإنسانية، ومن يدرس تاريخ الآداب العالمية لا يسعه إلا أن يتوقف بإجلال أمام أشعار المتنبي، وأبي العلاء، وأبي نواس، ونثر أبي حيان التوحيدي، كما لا يملك إلا أن ينحني تحية لأدب نجيب محفوظ.
وترك اللغة العربية معناه ببساطة محو كل هذا التراث العظيم من الذاكرة الجماعية للشعب العربي. هذا عن التاريخ، أما عن الحاضر فإن معناه تفتيت الأمة العربية وشرذمتها إلى كيانات مستقلة وربما متنافرة. فإذا نظرنا إلى الوطن العربي اليوم نجد أن أقطاره تختلف في السياسة وتتنافر في الاقتصاد وتتنافس في التجارة. الجانب الوحيد الذي يجمع بين العرب هو اللغة والثقافة؛ فإذا سحبنا البساط من تحت هذا الجانب فإننا نهدم صرحا يظل كافة العرب وكأننا نهدم المعبد فوق رءوسنا.
ولهذه الحيثيات فإنه لا يمكنني أن أقف مع الداعين إلى هدم العربية من أساسها، لكنني أطالب بإعادة النظر في القواعد الأساسية للغتنا؛ لتصبح أداة فعالة لتفجير طاقات العقل العربي المحتبسة في هيكل اللغة المقدس.
وأنا على ثقة من أنني أترجم المشاعر الدفينة في نفوس ملايين العرب، وأنا أهتف قائلا: يسقط سيبويه.
الفصل الأول
Halaman tidak diketahui