Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genre-genre
ولأنه يجري على اللغة ما يجري على باقي شئون الفكر، فقد ظهرت في تاريخ العرب تيارات تدعو للتجديد ورفض الجمود في مجال اللغة، فعندما تبلورت أفكار المعتزلة في العصر العباسي ظهر تيار ينادي بتوسيع اللغة عن طريق القياس والتوسع في الاشتقاق، وكان رافع علم هذه المدرسة أبا علي الفارسي وتلميذه ابن جني، وكان موقفهما من اللغة كما يقول أحمد أمين في كتاب «ظهر الإسلام»: «موقف أبي حنيفة ومدرسته في الفقه.» ويضيف أن انتماء أبي علي وابن جني إلى مدرسة الاعتزال مكنهما من التحرر وإخضاع اللغة لحكم العقل.
لكنه كالعادة في التاريخ العربي الإسلامي فإن التيار المحافظ الذي كان يتزعمه آنذاك في اللغة أبو سعيد السيرافي، نجح في إجهاض الأفكار الجديدة ووأد محاولة التجديد.
ويقول أحمد أمين في «ظهر الإسلام» معلقا على ذلك:
ومما يؤسف له أن مدرسة القياس هذه لم تستمر لتؤتي أكلها، فذهبت مع ذهاب المعتزلة؛ لأن مدرسة المعتزلة كانت تحث على البحث والتجربة والشك والاستدلال العقلي، فلما ذهبت ذهبت آثارها.
ثم يضيف:
مدرسة القياس ترى أن اللغة ليست مقدسة وأنها ملك للناس، لا أن الناس ملكها.
وعندما بدأ العرب يهتمون بالنحو وبوضع قواعد ثابتة للغة ظهرت مدرستان متنافستان: الأولى في البصرة والثانية في الكوفة. ويمكن تشبيه الفرق بينهما كالفرق بين مدرستي النقل والعقل اللتين سيطرتا على علم الحديث والفقه الإسلامي عموما. وكانت مدرسة البصرة، ومن أشهر علمائها الخليل بن أحمد وسيبويه، تعتمد على إعمال العقل في وضع قواعد اللغة. أما مدرسة الكوفة التي كان يتزعمها الكسائي والفراء وابن السكيت فكانت تصر على نقل كل ما قاله العرب كما جاء على ألسنتهم، وتضع القواعد بناء على ذلك حتى للشواذ.
وبرغم جهود بعض علماء اللغة بعد ذلك مثل ابن جني وابن قتيبة للتوفيق بين المدرستين إلا أن منطق مدرسة الكوفة هو الذي انتصر في النهاية. ولا شك أن في ذلك رمزا لسيطرة مدرسة النقل بصفة عامة على العقل العربي.
ومحاولات التجديد في اللغة والخروج من الإطار الحديدي الذي وضعه النحاة، لم تتوقف في تاريخ العرب على الرغم من وطأة حراس الماضي في كل العصور. وخلال عصر النهضة في القرن التاسع عشر، واكب التيارات الفكرية الجديدة التي تولدت من الاحتكاك بالخارج، وعي شديد بالحاجة إلى التجديد اللغوي؛ فقد شعر رواد النهضة مثل الطهطاوي والكواكبي وقاسم أمين بأن اللغة أصبحت عقبة للتعبير عن أفكارهم الجديدة، فقد كان الهاجس الأول لكل هؤلاء هو تطوير العقل العربي ومواءمته مع التطورات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية التي عاشتها المنطقة منذ نهاية القرن التاسع عشر.
ولم يقتصر الأمر على المثقفين، فقد شعرت الدولة نفسها أن الوقت قد حان لإيجاد أداة لغوية مرنة تعكس الواقع الجديد. وفي عام 1938م أنشأت وزارة المعارف لجنة مهمتها دراسة سبل تيسير اللغة العربية. وقد عهد برئاسة اللجنة إلى الدكتور طه حسين، وتقدمت بنتائج دراستها للمجمع اللغوي الذي أقرها في يناير 1945م. وقد تبنى المشروع مؤتمر المجامع اللغوية الثلاثة، الذي عقد في دمشق عام 1956م، لكن الأفكار التي طرحتها اللجنة لم تر النور بسبب اعتراض الكثيرين على مبدأ المساس باللغة. من الواضح إذا أن المهمة الصعبة التي سيواجهها العرب هي تبسيط لغة الضاد.
Halaman tidak diketahui