Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genre-genre
ولأن المشاركين في المنتدى ينتمون لعشرات الدول الناطقة بلغات مختلفة، فإن السؤال هو: كيف يتفاهم كل هؤلاء؟ خاصة وأنه من مبادئ دافوس ألا توجد أية ترجمة في اللقاءات والندوات.
والإجابة ببساطة هي أن اللغة الوحيدة المستخدمة في الندوات واللقاءات هي: الإنجليزية. وعلى الرغم من محاولات الناطقين باللغة الفرنسية في تنويع لغات المنتدى وإدخال الفرنسية ولو كلغة ثانوية للتعامل بها، إلا أن الإنجليزية لازالت تسيطر بلا منازع على المشاركين في منتدى دافوس. وينطبق ذلك على غالبية الندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية الدولية في العالم.
ومن المشروع أن نتساءل: لماذا نجحت الإنجليزية في أن تهيمن تماما، وتصبح لغة التعامل الدولي في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين؟
لا نشك في أن السبب الأول كما قلنا هو أن الولايات المتحدة صارت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي القوة الأولى في العالم، بل إنها أصبحت القوة المتحكمة في مصائر الشعوب. ولا تكتفي أمريكا ببسط سيطرتها سياسيا واقتصاديا فقط، ولكنها صارت أكبر مصدر للثقافة بالمعنى الواسع للكلمة؛ فهي أكبر مصدر للأفلام والأغاني والبرامج التليفزيونية والسي دي والإنترنت.
وقبلها، كانت الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس تسعى لنشر ثقافتها ولغتها، لكن العصر اختلف حيث أصبحت أدوات الاتصال والإعلام والمعرفة غولا يسمح اليوم لأمريكا بتحقيق ما فشلت فيه بريطانيا في القرن التاسع عشر وبداية العشرين. ويصل إجمالي الناتج القومي لمجموع الدول الناطقة بالإنجليزية اليوم إلى 31٪ من الناتج القومي العالمي. أما الدول الناطقة بالعربية فلا تمثل سوى 6,6٪ من إجمالي الناتج القومي العالمي.
لكن القوة ليست السبب الأوحد في السيطرة اللغوية؛ فمن أهم ما يساعد على هيمنة الإنجليزية اليوم السهولة الشديدة لهذه اللغة خاصة بعد أن عبرت المحيط الأطلنطي من موطنها الأصلي بريطانيا إلى قارة أمريكا الشمالية؛ فقد اجتهد الأمريكيون ليجعلوا من لغة شيكسبير لغة مبسطة ومباشرة، أصبحت أداة طيعة يستطيع أي طفل أن يتعلم قواعدها ويمتلك ناصيتها، دون أن يعاني الأمرين كما هو الحال بالنسبة لأطفال الوطن العربي.
وقد طبقوا على اللغة ما نادى به الدكتور طه حسين للعربية في بداية القرن الماضي؛ فهم يجتهدون لكتابتها حسبما تنطق وليس حسب القواعد الكتابية القديمة المبنية على أصل تكوين الكلمات. وكم لاقى طه حسين من هجوم وسخرية بسبب اقتراحه الذي تطبقه اليوم القوى العظمى اللغوية الأولى في العالم.
وسهولة اللغة واستجابتها لاحتياجات الإنسان في التعبير عن نفسه جعلت الكثيرين يقبلون على تعلم الإنجليزية؛ فهي لا تستغرق وقتا وجهدا كلغات أخرى مهمة، مثل الفرنسية والإسبانية، بالإضافة إلى تفوقها في الأهمية العملية على كل لغات العالم اليوم.
وقد حاولت شعوب أخرى لها حضارات قديمة وراسخة أن تقوم هي الأخرى بعملية مواءمة لغوية. حاول الفرنسيون والألمان والإيطاليون، لكنهم لم ينجحوا نجاح الأمريكيين في تحقيق ذلك، على الرغم من جهودهم الضخمة لتطويع لغاتهم لمتطلبات العصر الحديث.
ففي الفرنسية مثلا أكثر من عشر تصريفات مختلفة للأفعال تعبر بدقة شديدة عن زمن الفعل، فيمكن بالفرنسية مثلا أن تتحدث عن حدثين متتاليين وقعا في الماضي فتعرف من مجرد تصريف الفعل أيهما السابق على الآخر. وأذكر كم عانيت في فصول الدراسة لحفظ هذه التصريفات المعقدة نسبيا، والتي كانت مستخدمة وشائعة حتى منتصف القرن العشرين.
Halaman tidak diketahui