1
العالم الفاضل الأستاذ أحمد أمين يروي ما يتحدث به فريق من المتشائمين حين ينعون على العصر الحديث ندرة البطولة، وقلة النبوغ، ويسأل معهم: «هل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء؟ وهل تجد في النثر أمثال ابن المقفع والجاحظ وسهل بن هارون وعمرو بن مسعدة؟! وهل تجد في الغناء أمثال إسحاق الموصلي وإبراهيم بن المهدي؟» وقس على ذلك بطولة الحرب والسياسة والزعامة وسائر البطولات.
ثم يعقب الأستاذ على ذلك قائلا: «يظهر لي مع الأسف أن الظاهرة صحيحة، وأن الجيل الحاضر في الأمم المختلفة لا يلد كثيرا من النوابغ، ولا ينتج كثيرا من الأبطال، وأن طابع هذه العصور هو طابع المألوف والمعتاد، لا طابع النابغة والبطل.» ثم يستعرض الأسباب ويختمها بقوله: «ما أحق هذا الموضوع بالدرس وتناول الكتاب له من وجوهه المختلفة!» والموضوع - كما قال الأستاذ النابه - حقيق بالدرس والتناول من وجوه مختلفة، وليس له أوان يفوت بفواته، فإذا شغلتنا موضوعات أخرى عن تناوله في الأيام الماضية، فليس ما يمنع اليوم أن نبدي الرأي فيه.
رأينا أننا نخالف الأستاذ مخالفة النقيض للنقيض، ونعتقد أن العصر الحديث أغنى بالبطولة والنبوغ من كل عصر سلف بغير استثناء ولا تحفظ ولا تغليب للظن والاحتمال، وأنه ليس أسهل ولا أقرب من ظهور خطأ المتشائمين فيما وصلوا إليه من نتيجة؛ لأنه ليس أسهل ولا أقرب من ظهور الخطأ فيما اعتمدوه من قياس.
إن الوجه في المقارنة بين جيل وجيل أن نحصر الزمن وأن نحصر المزايا، وأن نحصر العناصر التي تقوم عليها شهرة الأدباء أو الأجيال.
وهذا الذي ينساه المفاضلون بين عصرنا الحديث والعصور الغابرة كل النسيان.
فمن أمثلة ذلك: «هل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء؟»
فالذين يسألون هذا السؤال يحسبون الماضي كله عصرا واحدا يقابله عصر واحد من الحاضر هو العصر الذي نعيش فيه ... وينسون أن الزمن الذي نشأ فيه بشار والمعري يمتد من أواسط القرن الثاني للهجرة إلى أواسط القرن الخامس؛ أي نحو ثلاثمائة سنة!
وينسون أن المكان الذي نشئوا فيه يمتد من العراق إلى الشام، ومن الحضر إلى البادية.
وينسون أن العصر الحاضر الذي نعيش فيه لا يمتد إلى أكثر من أربعين أو خمسين سنة، وهو الزمن الذي يبدأ بفتوة الشاعر وينتهي بوفاته.
Halaman tidak diketahui