منتظروها منذ سبع عشرة سنة يوم كتبنا نقول: «لا بدع أن يكون الأمر كذلك، وأن نجد حب تاجور أقرب إلى عطف الأنوثة ورحمة الأمومة، فإن فاصل الجنس ليس من المناعة والحسم بالمكان الذي يتوهمه أكثر الناس، وليس كل رجل رجلا بحتا ولا كل امرأة امرأة صميمة، وإنما تمتزج الصفات وتتفق المزايا ويكون في الرجل بعض الأنوثة كما يكون في المرأة بعض الرجولة، ولا أرى في تصور ذلك أظرف ولا أدنى إلى الصدق من الأسطورة التي يروونها عن اليونان، ويمثلون بها كيف كانت صنعة الإنسان، وكيف كان هذا الخلط بين خلق الرجال وخلق النساء، فقد زعموا أن الإله الموكل بهذه الصناعة دعي إلى وليمة الأرباب، فقضى ليلة يقصف ويلهو ويعاقر ويتماجن، ثم عاد عند الصباح مخمورا دهشا فألفى عمل النهار بين يديه لا مناص من إنجازه ولا حيلة في تأجيله، فأقبل على العواطف والجوارح يقذف ما اتفق له منها في الإهاب الذي يعرض له، ويرمي تارة بقلب رجل في أديم امرأة، وتارة أخرى بوجه امرأة على كتفي رجل، وهكذا حتى أتم عمله ...»
إلى أن قلنا: «وكأن «أوتو فيننجى» يقول ما تقوله هذه الخرافة حين شرح مذهبه في الحب، وقرر في كتابه الجنس والأخلاق أن لا ذكورة ولا أنوثة على الإطلاق، وإنما هي نسب تتألف وتتخالف على مقاديرها في كل إنسان، ولا عبرة فيها بظواهر الجوارح والأعضاء.»
فالرسالة إذن قد وصلت إلينا راجعة إلى الوراء، وقد تعاد إلى مرسلها للاستغناء ومعها ما يستحقه من الجزاء.
والجزاء الذي يستحقه أنه الآن لم يحسن أدب اليونان ولا أدب الخطاب، وأنه لو تعلم هذه الخرافة كما تعلمها قراؤنا قبل سبع عشرة سنة لما لاكها في مقاله كما يلوكها الآن ... ولأكل رزقه حلالا بتعليم الأدب اليوناني الذي يعلمنا إياه في هذه الأيام، ويريد أن يعترف له بفضل فيه، وهو ينكر فضل السبق على ذويه .
بلد المفارقات، وهذا الرجل كتلك الآنسة من هذه المفارقات ...!
الفصل السابع والعشرون
ذبح الفقراء لا يحل مشكلة الفقر
كتب أحد الأدباء يروي عني أنني قلت له: «... يكفي أن يتمتع الإنسان بحريته ليعيش سعيدا حتى لو كان فقيرا، وإن أي نظام أو أية محاولة ترمي إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات، إنما هي ترمي في أساسها إلى تقييد حرية الفرد ...»
ثم سأل الأديب: «ولكن هل يملك الفقير حريته كما يقول الأستاذ العقاد؟ هل أستطيع أنا مثلا أن أسافر إلى الإسكندرية وألقي بجسدي المتعب على شاطئ البحر كما يفعل صديقي عادل صدقي نجل دولة صدقي باشا؟! لا نستطيع؛ لأن حريتنا محدودة بجيوبنا، فالمفلس لا يملك حرية الخروج من منزله والجلوس على القهوة، والذي في جيبه نصف قرش لا يملك حرية إشباع بطنه ...» إلخ. إلخ. •••
وفي نقل كلامي على هذه الصورة شيء من التحريف.
Halaman tidak diketahui