ولماذا يكون حتما لزاما متى وجد الضياء أن يكون هناك نظر، وأن يكون النظر على نحو ما وعيناه؟
فالتلباثي غريبة جدا من تنسيه الألفة اليومية غرابة النظر والسمع والذوق وسائر المحسوسات.
والتلباثي جائزة جدا عند من علم أن النظر جائز، ثم سأل نفسه في معنى هذا الجواز.
وأحسب أن الكثيرين من القراء قد جربوا هبة التلباثي كما جربتها، ووقفوا منها على مبادئ تدل على نهايتها القصوى، إن لم يكتب لهم أن يملكوا هذه الهبة على أقصاها.
فإنني لا أقول بجواز التلباثي معتمدا على العقل والقياس دون التجربة والمشاهدة، ولكنني أقول بذلك لأنني «جربت» بعض الوقائع التي تقربني من تصديق «التلباثي»، وتنفي الغرابة عنه أو تنفي استحالته على أيسر تقدير.
يحدث مرات أن أذكر إنسانا بعد سهو طويل عنه، فإذا هو ماثل أمامي في اللحظة التي ذكرته فيها.
ولو كان هذا الإنسان صاحبا، يعاودني التفكير فيه حينا بعد حين لقلت الغرابة في تذكره ولو بعد السهو الطويل.
ولو كان المكان الذي ذكرته فيه متصلا بإقامته أو بالمقابلات بيني وبينه لقلت الغرابة كذلك في إثارة ذلك المكان لذكراه.
ولكنه لا يكون أحيانا ممن طالت الصحبة بيني وبينه، ولا يكون الموضع الذي أذكرني به موضعا تقابلنا فيه قبل ذلك، أو تحدثنا به يوما من الأيام. وكل ما هنالك أنه إنسان جمعت بيني وبينه المصادفات فترة من الزمن، ثم انطوت عني أخباره سنوات لا أراه ولا يعرض لي ما يدعوني أن أشتاق إلى رؤيته، ثم يمر بخاطري فما هو إلا أن أثبته وأستعيد ذكره حتى أراه في عرض الطريق.
ويحدث مرات أن يتولاني انقباض شديد تتخلله صورة إنسان عزيز يكرثني جدا أن يصاب بمكروه، ويلج بي هذا الانقباض حتى كأنما الذي أخشاه قد وقع أو هو مرقوب الوقوع، فأبادر بالكتابة من طريق البرق أو البريد، ويحدث في هذه الحالة أن يجيئني خطاب قبل وصول سؤالي إلى وجهته يدعو إلى الطمأنينة، أو يرد إلي الجواب بعد قليل وفيه إشارة إلى خطر زال.
Halaman tidak diketahui