247

Yaqutat Ghiyasa

ياقوتة الغياصة الجامعة لمعاني الخلاصة

Genre-genre

أما الأصل الأول: وهو أن الله تعالى أوجد أفعاله مطابقة لمصالح العباد من غير زيادة ولا نقصان، فالذي يدل على ذلك ما نعلمه من الأفعال التي يعلمها الله تعالى مطابقة للمصالح، مثل الأمطار فإن الله تعالى يفعلها مطابقة للمصلحة فينزل بقدر ما يشاء بحسب الحاجة في قدرة، وفي وقته بحيث لو جاء في غير ذلك الوقت لم يحصل الغرض ولو زاد على ذلك القدر لفسد فلو كان أنقص لما وقع به اعتداد ولا نفع، وكذلك أجراه للعادة في خلق البر من البر، والشعير من الشعير، وهكذا في اختلاف الليل والنهار، وهكذا في الشمس والقمر، وهكذا في خلق ابن آدم من التركيب الحسن والآلة الحسنة ما هو مطابق لمصلحته وتركيبه للحواس، ووضع كل عضو في موضعه المطابق للمنفعة والزينة، كتركيب العين في أعلى البدن، وشق الفم، وترتيب الأسنان في فيه آلة للأكل، فجعل الحداد في مقدمة المقطع، والنواجذ للكسر والطحون في مؤخره للطن، وجعل الرطوبة في الفم لبل اللقمة ليتمكن اساغتها ويسهل انحدارها، وتقدير الرطوبة بقدر الحاجة، بحيث لو أفرطت في الكثرة أو القلة لبطل المنفعة إلى غير ذلك من العجائب التي شرحها الأطباء، وما عجزوا عن شرحه من العجائب، ولهذا قال علي (عليه السلام): عجبا لابن آدم كيف يتكلم بلحم، وينظر بجسم، ويتنفس من خرم، ويسمع بعظم، وإن شئت ذكرت جعله العالم كما ذكره بعض العلماء فيقول: إن الله جل وتقدس جعل السماء كالسقف، والأرض كالبساط، والنجوم كالمصابيح، والإنسان كمالك البيت الذي يتصرف فيه وينتفع بما أعد له، وجعل ضروب النبات، والحيوانات والأنهار، والأمطار مهيأة لمصالحها جميعها، والمعادين كالحرائر إلى غير من العجائب التي لا تنحصر على الوجه المطابق للمصالح مع الإحكام والتركيب الغريب العجيب، فجميع ذلك يدل على صانع حكيم، وقدير عليم، قصد إلى وضع كل شيء في موضعه رحمة منه لعباده، وانعاما عليهم، فثبت الأصل الأول.

Halaman 251