338

وجهدهم في تلك القفار علالات [191 أ] الشفاه، وبلالات الأفواه، فضلا عن سائر الأقوات حتى صنع الله لهم بأن بدوا منها إلى فضاء يفضي إلى ناحية المقصود، ودونه نهر صخاب، أرضه ظراب، وصفاح كظبي السيوف حداد، يلقي بشاطئه شعب جبل قد استند إليه الكافر مستظهرا بفيوله، ومتكثرا بأفناء رجاله وخيوله. واحتال السلطان لفتاك «5» عسكره، في مجاوزة النهر إلى أعداء الله الكفرة الفجرة، حتى عبروه من طريقين، وشغلوهم باليأس «6» من كلا «7» الجانبين. ومهما جد الكفاح بين الفريقين، أمر السلطان بحملة على الكفار في مخاضات النهر الهائل، والماء الصخب الشائل «8»، تزعجهم عن طرف الساحل، وتقحمهم «1» أشداق تلك الشعاب والمداخل «2».

واشتدت الحرب ضربا بالخناجر في الحناجر، وبالقواضب في المناكب، وأولياء الله في كل حال ظاهرون، والكافرون هم الصاغرون، حتى إذا كاد يهرم شباب النهار، حمل المسلمون من جميع الجهات حملة أو جرت بهم لهوات تلك المخارم مضطرين، فخلفوا الفيلة التي كانوا بها مغترين. وتبعها «3» أولياء الله يردون الأعظم [191 ب] فالأعظم منها إلى موقف السلطان، فلم يفتهم إلا ما جد به في الهرب، أو ضاق دون اقتناصه مجال الطلب، وصب من ماء أولئك الأرجاس ما نجس به النهر الحاجز على طهارته، وامتنع من الشرب على غزارته. ولو لا أن الليل ستر أثرهم، لا ستلحم القتل أكثرهم، صنعا من الله لدين بعث به رسوله «4» المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الذين ارتضى، مظهرا له على الدين كله ولو كره المشركون «5»، فهو على الازدياد إلى يوم التناد «6».

وانصرف السلطان بأولياء الله غانما موفورا، وظاهرا منصورا، ومحمودا كاسمه مأجورا، وقد غنم ما يكل عن ذكره أنامل التحرير، ويضيق عن إثباته أدراج الأضابير.

وتطايرت البشائر به «7» في الآفاق، وخفقت عليها أجنحة الغروب والإشراق، والحمد لله رب العالمين، على عز الإسلام والمسلمين.

Halaman 352