وبعل «7» الأمير سيف الدولة بتدبير ما عراه، لاستحبابه الرفق على الخرق، وميله إلى المداراة على الملاحاة «8»، والمواناة على المناوأة، واختياره البر على الجفاء، وادخاره الكي لآخر الدواء، حتى إذا غار نجم الهوادة، ورق جلباب الحشمة، استعد لإتيان الأمر من بابه، ورد المنتزع منه إلى نصابه، وخاطب الأمير أبا الحارث «9» بما عن له من المهم الذي لا يسعه غير تلافيه، ونثل كنانة «10» الوسع والطاقة فيه. وسار في خواص غلمانه ورجاله، وقواده المندوبين لاتباع أمثاله «1» إلى هراة، واستأنف بها مكاتبة إسماعيل بين وعد ووعيد، وتمنية وتهديد، وترجيح بين اليأس والأمل، وتنبيه على موقف الندامة والخجل، فلم يغن ذلك منه فتيلا، ولم ينقض من قوى عقده سحيلا «2»، وتراجعت المكاتبات بينهما حتى جد مزاح الكلام، واشتد لفح الخصام، وأعيا فيصل الأمر إلا بحد الحسام.
ودعا الأمير سيف الدولة عمه بغراجق إلى مساعدته ومرافقته «3»، واتباع مصلحة البيت بمتابعته، فتسارع إلى طاعته، وأقر بالحق عليه في مشايعته، واتباع رايته. وخف معه إلى بست وبها الأمير أبو المظفر نصر بن ناصر الدين سبكتكين، فصادف سيف الدولة منه وليا مطيعا، وصفيا إلى الانقياد سريعا، هوى منه لم يرض بزمام وخطام، ومحبة لم تذلل بإسراج وإلجام، فتبرع [83 ب] بالانقياد، وتسرع إلى المراد، وجرى في حلبة الطاعة «4» طلق الجواد. ولما سمع إسماعيل برحيل الأمير «5» سيف الدولة إلى جانب «6» غزنة، سبقه إليها من جانب بلخ متجردا للممانعة، محتشدا للمقارعة والمدافعة. وسار الأمير «7» سيف الدولة إلى جانب غزنة في عمه وأخيه، وسائر أوليائه ومواليه، حتى أناخ بظاهر غزنة، وقد تطاير إليه من قبل كتب الأعيان من قواد إسماعيل في ممالأته عليه، لما عرفوه من وهي أمره في الرئاسة، وضعف يده عن حق السياسة، وتردد السفراء بينهما في الاستصلاح، وكف عادية الكفاح، فأبى الله إلا ما كان مقدورا، وجعل الحق مشهورا، والمحق منصورا.
Halaman 156