وصفا على مر الأيام خاطر أم لطوف، ولكن عيشها تنغص، كانت كنتها تحاسنها فتزداد نفورا واشمئزازا، إن مشت انتقدتها، وإن تكلمت تغامزت عليها، وقلما كانت تذوق طعامها، كل هذا والكنة صابرة عليها تجاملها وتطايبها، فتطغى وتتجبر، وأخيرا اعتدل الميزان وحميت المعارك فكانت ضارية.
وهجم الهرم على أم لطوف فاندحرت أمامه، فارقها مرحها إذ فارقها السلطان، وقل الزحام على المورد الذي كان عذبا، فكانت ترد على الجماعة بقولها: كبرت جميلة، وحنة صبية.
واستعدت السيدة جميلة لهجوم معاكس علها تسترد شيئا من حصون جمالها، فحنت شعرها، وتبودرت وتحمرت وتخططت، كانت ترتاع كلما رأت ذلك الحسن يندحر ويجد في الهرب، فعزمت بغتة على زيارة بيروت، ما درى أحد بما تنويه حتى عادت بعد جمعة وقد بدلت بثيابها الهرقلية أزياء جديدة، ولم تنس الجزدان والشمسية، باعت شكتها وضفائرها واشترت أطرف الأنسجة وأغلاها، وعادت إلى الضيعة كأنها عروس، رمت الزنار وعصبت رأسها المحنى بمنديل وردي كأنها تنافس كنتها وتزهو عليها، ولكنها لم تلق التفاتا من الناس، فكانت تقتلها الضحكات الصفراء الممزوجة باستهزاء مر، فحارت بأمرها ولجت في الخصام.
نفرت من بيتها بل من كل بيت، وخالت الناس كلهم أخصامها، كانت تقعد تحت سنديانة تاريخية طالما قعدت تحتها حماتها من قبل ... فتحدث نفسها كأنها تحدث شخصا آخر، تتذكر أيام العز والمجد وتبكي، الناس عندها غدارون يظاهرون كنتها عليها لأنها صبية، وقد جفاها الجميع حتى الأحباب.
ودخلت علي يوما ومعها حفيدها، أجلسته حدها وقعدت، لا حيا الله ولا سلم الله، كانت ساهية كأنها لا تريد أن تقول شيئا أو أنها تجهل أين هي، فلم أتحرش بها لئلا تقلق الحارة، ولما طال الانتظار قلت لها باسما: يظهر أنك بالعة لسانك، الله معك.
فأجابت بفتور يخالطه نفور: لا الله معك ولا السلام عليك، كلكم علي، المولي ما له صاحب. قالت هذا وأخرجت من عبها كعكة باقية مما تحوجته من بيروت، ناولتها الولد وقالت: تعرف سبب محبتي لهذا الصبي؟
فهززت كتفي اليسرى نافيا، فقهقهت قهقهة بلهاء وقالت: لأنه غدا يأخذ بثأري، ربيت وما لقيت.
فقلت لها: تريدين الصحيح يا جميلة، الحق كله عليك، اتركي، راح دورك.
فهزت برأسها وقالت: أنا تعبانة، كنتي حمارة وابني جحش، أنا عمرت البيت وأنا صيرته بيتا، تجيء شقفة دابة، بنت غريبة تتحكم فيه، ولا تسأل عني، هذا ما أنزله الله بكتاب.
فقلت لها: الدنيا أدوار، راح دورك.
Halaman tidak diketahui