أجل إن كلمة الناس أثقل عبء يلقى على ظهور الناس، فمن منا لا يستجدي إعجابهم، وكم فينا من يحمل نفسه فوق طاقتها ليظهر بمظهر يرضيهم ويلفت أنظارهم إليه، فيقضي العمر وشبح الهم يماشيه كظله، يأكل معه في صحنه، وينام معه في فراشه. وكم من امرأة خربت بيتها لتكون على حد قولها: مثل الناس ولا بأس.
اسمعوها تخاطب زوجها: ماذا يقول عنا الناس إذا رأوا بنطلونك مرفوءا؟ اشتر غيره. وماذا يقول عنا البشر إذا جاء العيد وليس لابننا طقم جديد، ولبنتنا فسطان من أحدث طراز؟ وماذا يقول عنا الناس إذا لم نشتر كذا كذا، ولم نأكل كذا كذا، ولم نعمل
Soirée
و
Aprés-Midi ؟ وتظل تقول: الناس ... الناس ... حتى تدك البيت من الأساس.
غريبة كلمة الناس، ما أعظم سلطانها على العقول! لا أقول الناس بلاء الناس كما يقولون، ولكني أقول: الناس تسير الناس، وليس أحد منا حرا في ذاته، فمن يزعم أنه لا يبالي بهم يخدع نفسه، إنه أشدنا تهافتا عليهم، ومن حسب أنه معلمهم فهو أحد تلاميذ مدرستهم، إن شاءوا منحوه الشهادة بامتياز، وإلا عاد محترق الفؤاد يردد: ما أصعب مرضاة الناس!
إن كلمة «الناس» نطار منصوب في مقثأة الإنسانية ليرد عنها الثعالب، وهي الخفير الدائم على أبواب كهوف التقاليد، حالت وتحول دون رذائل كثيرة ما كنا نتأباها لولا أعين الناس، وأقصرنا نظرا من ظن أنه يتغلب على الناس بغير الناس، ففي كل عبقرية أثر من عبودية الناس، فأنا وأنت وهو جميعنا عبيد الناس ولا نحيا إلا بهم.
أما قال المسيح لتلاميذه: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فرددوا له أقوالهم فيه، فسألهم: وأنتم من تقولون إني أنا هو؟ فأجابه بطرس: أنت المسيح ابن الله الحي.
إن جواب التلميذ لمعلمه، وهو واحد من الناس، لفجر وردي انبثق منه عهد وعالم جديدان.
فهل ألوم أبي وأمي إذا كانت كلمة الناس نجمة القطب عندهما، يراعيانها في بحر الحياة خوفا من التيه والسقوط في اللجة؟
Halaman tidak diketahui