من عجائب الدعاء - الجزء الأول
من عجائب الدعاء - الجزء الأول
Penerbit
دار القاسم للنشر
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
إهداء
- إلى من قلبه مكلوم، وفؤاده حزين، أكلته الهموم، ودق عظمه الفقر، فأصبح مشتت الأفكار.
- إلى من ضل عن الطريق المستقيم، وتاه في متاهات الضالين ونسي يوم الدين.
- إلى العلماء والصالحين من آمن بالله ربًا، وبالنبي محمد رسولًا، وبالإسلام دينًا.
- إلى من أغلقت دونه الأبواب، ومنعه الحجاب هذا باب لم يغلق باب الكريم الوهاب.
- إلى كل عقيم، وإلى كل مريض، وإلى من ابتلي بمصائب الدنيا. أن يدعو الله - تعالى -.
- أهديه لجميع الناس؛ رجاء أن يكون تجربة نافعة وبلسمًا ودواءً صالحًا فقد دلنا عليه الكتاب والسُّنَّة.
* * *
1 / 3
مقدمة
الحمد لله سامع الدعوات، غافر الزلات، مقبل العثرات رب الأرض والسماوات، والصلاة والسلام على من كانت قرة عينه في الصلاة، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى الممات، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة النية فيها أن تكون جمعًا لقصص حصلت لأناس دعوا الله - تعالى - فاستجاب لهم دعواتهم، جمعتها من بعض الكتب؛ لكي تكون حافزًا للمسلم ليكثر من دعاء الله - جل وعلا - ثم أحببت أن أصدر هذه القصص بأمور تتعلق بالدعاء؛ كي يعمل بها الداعي علها توافق بابًا من السماء مفتوحًا، فيستجاب له وهي من الكتاب والسُّنَّة الواردة عن النبي ﷺ وجعلتها مرتبة كما يلي:
أولًا: فضائل الدعاء، ويشمل الفضائل من القرآن والسُّنَّة.
ثانيًا: شروط الدعاء، ولم آت بها جميعها بل بأهمها.
ثالثًا: موانع إجابة الدعاء، وقد أتيت بها جملة دون تفصيل.
رابعًا: أخطاء يقع فيها بعض الداعين في الدعاء، واخترت ما هو منتشر عند بعض الناس.
خامسًا: آداب الدعاء، وقد أطلت الكلام حولها، لأنها من أهم
المهمات في الدعاء.
سادسًا: أوقات وأحوال وأوضاع ترجى إجابة الدعاء فيها وعندها. وهي كثيرة.
سابعًا: بعض الدعوات المستجابات التي وردت في السُّنَّة.
وينبغي أن أنبه على ما ذكرت من فضائل وشروط و... إلخ، فإني لم أرجع فيها إلى المصادر الأصلية، بل من مؤلفات حديثة في هذا الموضوع،
1 / 5
وكذلك الأحاديث الواردة في بعض الفقرات؛ فخرجتها كما خرجها أصحاب الكتاب، دون أن أرجع إلى المصادر الأصلية.
ثامنًا: القصص، وقد بدأت ببعض دعاء الأنبياء، ثم دعاء الصحابة، ثم دعاء من بعدهم من التابعين وتابعيهم ... إلخ. وبعدها ما كان في الوقت الحاضر مما سمعته من قصص (١).
ومن كان لديه مثل هذه القصص مما سمعه، أو حصل له، يمكنه أن يرسلها على عنواني؛ كي تخرج - بإذن الله - في الجزء الثاني.
وأخيرًا: أرجو من الله - تعالى - أن يجعل فيها فائدة لنا جميعًا وحافزًا على الدعاء.
وأن يجعلها ذخرًا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
أسأل الله التوفيق، والصلاح، والفوز في الدارين والفلاح. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ص. ب ٢٥٠٧٦
الرمز البريدي ٥١٣٢١
* * *
_________
(١) ليعلم القارئ الفاضل أنه سوف يستغرب من بعض القصص كما استغربت، ولكن ذكرتها لا لأني أجزم بصحتها ولا أنفيها، وإنما لما رأيت بعض العلماء استأنس بها مثل شيخ الإسلام، وابن رجب، وابن أبي الدنيا ذكرتها نقلًا عنهم - والله على كل شيء قدير.
1 / 6
فضائل الدعاء
أولًا: من الكتاب الكريم:
قال - تعالى -: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦].
وقال - جل اسمه -: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، وقال - سبحانه -: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥ - ٥٦].
ثانيًا: من السنة النبوية:
١ - عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «ليس شيء أكرم على الله - تعالى - من الدعاء» (١).
٢ - عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من لم يسأل الله يغضب عليه» (٢).
٣ - وعن أبي سعيد ﵁ أن النبي ﷺ قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا
أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» (٣).
٤ - عن سلمان الفارسي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن
_________
(١) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) رواه الترمذي وغيره وحسن إسناده الألباني.
(٣) رواه أحمد وهو في الترمذي عن جابر وعن عبادة وحسنهما الألباني ﵀.
1 / 7
ربك ﵎ حيٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا» (١).
٥ - عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء» (٢).
٦ - وعن سلمان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر» (٣).
* * *
_________
(١) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
(٢) رواه الحاكم وأحمد وحسنه الألباني.
(٣) رواه الترمذي وصححه، الحاكم بنحوه من حديث ثوبان، وصححه ووافقه الذهبي.
1 / 8
شروط الدعاء (١)
من أعظم وأهم شروط الدعاء ما يأتي:
الأول: الإخلاص: قال - تعالى -: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ١٤].
الثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].
الثالث: الثقة بالله واليقين بالإجابة، ومما يزيد ثقة المسلم بربه - تعالى - أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات، والبركات عند الله - تعالى -.
عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» (٢).
الرابع: حضور القلب، والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، قال - تعالى - ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠].
الخامس: العزم والجزم، والجد في الدعاء، فعن أنس - رضي
الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل اللهم إن شئت فأعطني؛ فإن الله لا مستكره له» (٣).
* * *
_________
(١) ما ذكرته من فضائل الدعاء وما أذكره هنا من شروط وتخريج للأحاديث وغيرها من كتاب الدعاء للشيخ/ سعيد بن علي القحطاني - حفظه الله -.
(٢) رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
1 / 9
موانع إجابة الدعاء
الأول: أكل الحرام وشربه ولبسه: كما ورد في الحديث: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ وغُذي بالحرام فأني يستجاب لذلك» [رواه مسلم].
الثاني: الاستعجال وترك الدعاء: فعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول قد دعوت فلم يستجب لي» [رواه البخاري ومسلم].
الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات: قال الشاعر:
نحن ندعو الإله في كل كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء ... قد سددنا طريقها بالذنوب
الرابع: ترك الواجبات التي أمر الله بها وأوجبها: فعن حذيفة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أني يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (١).
الخامس: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: عن أبي سعيد - رضي
الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما
_________
(١) رواه الترمذي وحسنه أحمد، وهو في صحيح الجامع.
1 / 10
أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نكثر قال: «الله أكثر» (١).
* * *
_________
(١) رواه أحمد، وهو في الترمذي عن جابر، وعن عبادة ﵄ وحسنهما الألباني ﵀.
1 / 11
بعض الأخطاء التي تقع في الدعاء (١)
الأول: أن يشتمل على شيء من التوسلات الشركية، أو البدعية.
الثاني: الدعاء بما هو مستحيل، أو بما هو ممتنع عقلًا، أو عادةً أو شرعًا.
الثالث: أن يدعو على الأهل، والأموال والنفس.
الرابع: الدعاء بالإثم كأن يدعو على شخص أن يبتلى بالمعاصي.
الخامس: الدعاء بقطيعة الرحم.
السادس: الدعاء بانتشار المعاصي.
السابع: ترك الأدب في الدعاء.
الثامن: عدم الاهتمام باختيار أسماء الله، أو صفاته المناسبة عند الدعاء.
التاسع: اليأس أو قلة اليقين من إجابة الدعاء.
العاشر: دعاء الله بأسماء لم ترد في الكتاب والسنة.
الحادي عشر: المبالغة في رفع الصوت.
الثاني عشر: تصنع البكاء ورفع الصوت.
* * *
_________
(١) هذه الأخطاء مما راجعها وصححها الشيخ عبد الله الجبرين - حفظه الله - في مطوية الدعاء.
1 / 12
آداب الدعاء
١ - أن يبدأ بحمد الله، ويصلي على النبي ﷺ، ويختم بذلك:
رأى رسول الله ﷺ رجلًا يصلي فمجد الله وحمده، وصلى على النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ: «أيها المصلي أدع تجب وسل تعط» (١).
٢ - الدعاء في الرخاء والشدة: قال ﷺ في حديث أبي هريرة ﵁: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء» (٢).
٣ - يخفض صوته بالدعاء بين المخافتة والجهر: قال - تعالى - ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥].
٤ - أن يتضرع إلى الله في دعائه: قال - تعالى - ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٤٣].
٥ - أن يُلح على ربه - في الدعاء: فعن أنس ﵁ يرفعه: «ألظوا بيا ذا - الجلال والإكرام -» (٣).
٦ - يتوسل إلى ربه - تعالى - بأنواع الوسائل المشروعة: قال تعالى -: ... ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٥٣]، ومعنى ابتغاء الوسيلة: أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه (٤).
٧ - الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء! كما في الحديث عن شداد بن
_________
(١) رواه النسائي وغيره، وصححه الألباني.
(٢) أخرجه الترمذي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
(٣) رواه الترمذي وصححه الألباني.
(٤) تفسير ابن كثير ٢/ ٥٣.
1 / 13
أوس ﵁ عن النبي ﷺ قال سيد الاستغفار أن تقول: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت». قال ومن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة (١).
٨ - عدم تكلف السجع في الدعاء: عن ابن عباس ﵄ قال: «... فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله ﷺ وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك - يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب -» (٢).
٩ - الدعاء ثلاثًا: وقد قال ﵇ «اللهم عليك بقريش» ثلاث مرات (٣).
١٠ - استقبال القبلة: فعن عبد الله بن زيد قال: خرج النبي ﷺ إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة فقلب رداءه (٤).
١١ - رفع اليدين بالدعاء: عن سلمان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن ربكم ﵎ حي كريم يستحي من عبده! إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا» (٥).
١٢ - الوضوء قبل الدعاء إن تيسر: عن أبي موسى ﵁ قال لما فرغ النبي ﷺ من حنين، بعث
_________
(١) رواه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد.
(٢) رواه البخاري.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
(٤) رواه البخاري.
(٥) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني.
1 / 14
أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه.
قال أبو موسى: «بعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى فاتبعته، وجعلت أقول: ألا تستحي ألا تثبت فكف، فاختلفنا ضربتين بالسيف، فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء فقال: يا ابن أخي! انطلق إلى رسول الله ﷺ فاقرئه مني السلام وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي: قال: واستعملني أبو عامر على الناس فمكث يسيرًا، ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي ﷺ
في بيته على سرير مرمل وعليه فراش، قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له استغفر لي، فدعا رسول الله ﷺ بماء فتوضأ منه ثم رفع يديه فقال: «اللهم اغفر لعبيد بن عامر» ورأيت بياض أبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ومن الناس» فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفر، فقال: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا» (١).
١٣ - البكاء في الدعاء من خشية الله: فعن عبد الله بن عمر ﵄: أن النبي ﷺ تلا قول الله ﷿ في إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [إبراهيم: ٣٦]. وقال عيسى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨]. فرفع يديه، وقال: «اللهم أمتي أمتي وبكى» فقال الله ﷿: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل ﵇
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
1 / 15
فسأله، فأخبره رسول الله ﷺ بما قال: وهو أعلم فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: أنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك» (١).
١٤ - إظهار الافتقار إلى الله والشكوى إليه.
١٥ - أن يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره: وثبت أن النبي ﷺ لم يبدأ بنفسه.
١٦ - أن لا يتعدى في الدعاء: عن أبي أمامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ بالله من النار، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» (٢).
١٧ - التوبة ورد المظالم.
١٨ - يدعو لوالديه وللمؤمنين مع نفسه! قال - تعالى - عن نوح ﵇: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨].
١٩ - لا يسأل إلا الله وحده: كما في الحديث عن ابن عباس ﵄ «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» (٣).
٢٠ - حضور القلب: قال ﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه» (٤).
٢١ - استحباب الإتيان بجوامع الدعاء! مما ورد في الكتاب، أو السنة كقوله تعالى - ﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) رواه أبو داود وصححه الألباني وأخرجه أحمد.
(٣) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وأخرجه أحمد.
(٤) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيحه.
1 / 16
النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١].
وقوله ﷺ: «... يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» (١).
٢٢ - ختم الدعاء بما يناسب طلب الداعي:
وذلك أبلغ في الدعاء وأجمع له؛ لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٨].
والداعي يستحب له أن يختم دعاءه بما يناسب طلبه، فإذا سأل الولد فيختم الدعاء مثلًا بأن الله هو الوهاب الرزاق.
٢٣ - تقديم الأعمال الصالحة بين يدي الدعاء: كالصلاة، والزكاة، والصدقة، وغيرها فهي تقرب من الله - تعالى - فإذا صلى العبد ثم دعا الله أو تصدق، ثم دعا الله كان ذلك أرجى وأحرى بقبوله.
* * *
_________
(١) رواه أحمد.
1 / 17
أوقات وأحوال وأوضاع
ترجى إجابة الدعاء فيها وعندها
١ - ليلة القدر: عن عائشة ﵂ قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني» (١).
٢ - بر الوالدين من أسباب إجابة الدعاء: قال عمر بن الخطاب ﵁ سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برصٌ فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ...» (٢).
٣ - دبر الصلوات المكتوبة: فعن أبي أمامة الباهلي ﵁ قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات» (٣).
٤ - الإكثار من نوافل العبادات بعد الفرائض: كما في حديث أبي هريرة ﵁ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من عاد لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى
أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه
_________
(١) رواه الترمذي وصححه، ورواه ابن ماجه وأحمد.
(٢) رواه مسلم واللفظ له وأحمد.
(٣) رواه الترمذي وحسنه وكذا حسنه الألباني.
1 / 18
ولئن استغاثني لأغيثنه، وما ترددت من شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته» (١).
٥ - الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة وقبل السلام: ففي حديث عبد الله بن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ علمهم التشهد في الصلاة، ثم قال آخره: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» وفي لفظ مسلم: «ثم يتخير من المسألة ما شاء» (٢).
بين الأذان والإقامة: فعن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة» (٣).
٧ - جوف الليل الآخر: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «ينزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» (٤).
وعن عمرو بن عبسة ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «أقرب ما يكون الرب من العبد في الجوف الليل
الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» (٥).
٨ - الدعاء عند صباح الديك: ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنه رأى شيطانًا» (٦).
وقوله ﷺ: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله»، قال النووي: قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء،
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(٣) أخرجه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
(٤) رواه البخاري ومسلم.
(٥) رواه الترمذي وصححه ورواه غيره.
(٦) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
1 / 19
استغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص (١).
٩ - عند النداء للصلوات المكتوبات: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: «ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا» (٢).
١٠ - عند إقامة الصلاة: فعن سهل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ساعتان لا ترد على دعوته: حين تقام الصلاة، وفي الصف في سبيل الله» (٣).
١١ - ساعة من كل ليلة: عن جابر ﵁ قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا، والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة» (٤).
١٢ - ساعة من ساعات يوم الجمعة: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه» وأشار بيده يقللها (٥).
وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر» (٦).
وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال عبد الله بن عمر ﵄: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله ﷺ في ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة» (٧).
_________
(١) انظر شرح مسلم ج٩.
(٢) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
(٣) رواه ابن ماجه وصححه الألباني في الترغيب والترهيب.
(٤) رواه مسلم.
(٥) رواه البخاري ومسلم.
(٦) رواه أحمد.
(٧) رواه مسلم.
1 / 20
ورجح ابن القيم وغيره ﵏ من أهل العلم أن
الساعة في يوم الجمعة هي بعد العصر (١).
قال ابن القيم: «وعندي أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضًا، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر، فهي ساعة معينة من اليوم لا تقدم ولا تتأخر، وأما ساعة الصلاة متابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين، وصلاتهم وتضرعهم، وابتهالهم إلى الله - تعالى - تأثيرًا في الإجابة، فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيه الإجابة، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي ﷺ قد خص أمته على الدعاء والابتهال إلى الله - تعالى - في هاتين الساعتين» (٢).
١٣ - عند الشرب من ماء زمزم: عن جابر ﵁ عن النبي ﷺ قال: «ماء زمزم لما شربه له» (٣).
١٤ - في السجود: عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، فأكثروا الدعاء» (٤).
١٥ - عند الاستيقاظ من النوم ليلًا: والدعاء بالمأثور: عن عبادة بن الصامت ﵁ عن النبي ﷺ قال: «من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الملك وله
الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي - أو دعا - استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته» (٥).
_________
(١) زاد المعاد (٢/ ٣٨٨ - ٣٩٧).
(٢) زاد المعاد (٢/ ٣٩٤).
(٣) ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
(٤) رواه مسلم.
(٥) البخاري والترمذي.
1 / 21
١٦ - عند الدعاء بدعوة (ذي النون) يونس ﵇: عن سعد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «دعوة ذي النون غذ دعا بها وهو في بطن الحوت، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له» (١).
١٧ - عند دعاء الناس بعد وفاة الميت: عن أم سلمة ﵂ قالت: دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: «إن الروح إذا قبض تعبه البصر» فضج ناسٌ من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» ثم قال: «اللهم، اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه» (٢).
١٨ - عند قولك في دعاء الاستفتاح: «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا» استفتح بها رجل
من الصحابة فقال ﷺ: «عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء» (٣).
١٩ - عند قولك في دعاء الاستفتاح: «الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه» استفتح بها رجل صلاته، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال: «أيكم المتكلم بالكلمات»؟ فأرم القوم، فقال: «أيكم المتكلم، فإنه لم يقل بأسًا» فقال رجلٌ: جئت، وقد حفزني النفس فقلتها، فقال النبي ﷺ: «لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها» (٤).
٢٠ - عند قراءة الفاتحة ففي الحديث: «فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال:
_________
(١) الترمذي وأحمد والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه مسلم.
(٤) رواه مسلم.
1 / 22
هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (١).
٢١ - عند التأمين في الصلاة وإذا وافق تأمين الملائكة: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (٢).
٢٣ - عند الرفع من الركوع وقولك: «ربنا ولك الحمد كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، عن رفاعة قال كنا نصلي وراء النبي ﷺ فلما رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده» قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: «من المتكلم؟» قال أنا قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول»» (٣).
٢٣ - عند قولك في الرفع من الركوع: اللهم ربنا ولك الحمد، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد؛ فإنه من وافق قوله الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (٤).
٢٤ - بعد الصلاة على النبي في التشهد الأخير: عن فضالة ﵁ أن النبي ﷺ: سمع رجلًا يصلي فمجد الله وحمده، وصلى على النبي ﷺ فقال النبي ﷺ: «ادع تجب وسل تعط» (٥).
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) البخاري ومسلم واللفظ له.
(٣) البخاري والترمذي وغيرهما.
(٤) رواه البخاري ومسلم.
(٥) النسائي والترمذي والحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
1 / 23