وجهة العالم الإسلامي
وجهة العالم الإسلامي
Penerbit
دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
Nombor Edisi
١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١
Lokasi Penerbit
سورية
Genre-genre
وأفكارها الاجتماعية، وشرائط الحياة التي جاء القرآن ليمحوها محوًا من طبائع الناس. وتعد هذه الظاهرة هي السر الذي تحكم في التاريخ الإسلامي منذ ثلاثة عشر قرنًا، فإذا غابت في غمار القرون، بعثتها ضروب الصراع الباطن من رمسها ما بين أزمة وأخرى. وما كانت حركة الخوارج في الجانب السياسي، وحركة المعتزلة في ميدان الفكر، إلا محاولات للجمع بين الفكر القرآني والضمير المتخلف الذي ما زال يتهرب من الحقائق المنزلة، وكان السبب في هذا الصراع كله، ما كان يعانيه العالم الإسلامي من انفصال بين سلطانه الزمني وفكرته القرآنية.
فإذا صح أن الانحطاط منحصر بين هذين الطرفين من بعد، وهو صحيح، فإن النهضة تكون هي ما يبذله العالم الإسلامي من جهد في الميدان النفسي، هي حركة ضميره ليتدارك تخلفه عن الفكر القرآني، وعن ركب الفكر العلمي الحديث.
ونستطيع أن نلاحظ أن الحركة ذاتها في تاريخ أوربا، حيث يفسر البعد بين العلم والضمير ما شاء فيها من فوضى، بوصفها نهاية محتومة لما أصابها من انفصالات متتابعة: حدث الانفصال الأول في مجال أخلاقها باسم الإصلاح، بيد أن انشقاقات كثيرة- من مثل انشقاق الحركة الألبية- قد أثبتت أن الضمير المسيحي عاجز عن مواجهة الفجوة التي كانت تفصله عن النزعة العقلية الناتجة عن التطور العلمي. وحدث الانفصال الثاني في مجال سياستها بحدوث الثورة الفرنسية، تلك التي حطمت التوازن الاجتماعي التقليدي، وأحلت محله وضعًا قائمًا على المساواة بين الأفراد، بيد أن هذه المساواة النظرية لم تكن إلا توازنًا لاقرار له، فقد كانت الظروف تهيئ انفصالًا في نطاق الشعب، بطل النظام الجديد. وكان قد نجم في صفوف اليعاقبة اتجاه عمالي معارض لاتجاه طبقة متوسطة. حتى إذا ما أعدم روبسبير، وسقط المجلس الشعبي الأول بباريس، انتصرت الطبقة المتوسطة. ومع ذلك فقد ظل الصراع خفيًا بين جناحي المجتمع
1 / 125